فيكون الجواب هو أن يقال مثلا : إن سببه أكل تلك الفاكهة ، واحتمال أن يكون قوله : سهر دائم خبرا بعد خبر بتأويل أو مبتدأ وخبر فكون الجملة كالبدل مما قبلها تعسف لا يتبادر من الكلام فلا يرتكب (وإما) أن يكون عن سبب خاص يتصور من خصوص هذا الحكم فيكون المقام مقام أن يتردد فى ثبوته ، وذلك (نحو) قوله تعالى ـ حكاية عن يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسّلام (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(١) فإن الحكم ينفى تبرئة النفس من طهارتها ، وتبعيدها عن شهواتها ولذاتها يتبادر منه أن ذلك لانطباعها فى أصلها على طلب ما لا ينبغى ، وأمرها به فكان المقام مقام أن يتردد فى ثبوت أمرها بالسوء بعد تصوره ف (كأنه قيل) لم قلت ذلك (هل) لأن (النفس أمارة بالسوء) ويدل على أن المقام مقام التردد التأكيد فى الجواب (و) لهذا نقول (هذا الضرب) أى : هذا النوع من السؤال المقدر (يقتضى تأكيد الحكم) فى الجواب لأنه تردد فى النسبة بعد تصور الطرفين (كما مر) فى أحوال الإسناد الخبرى من أن المخاطب قد ينزل منزلة المتردد الطالب إذا قدم إليه ما يلوح بالخبر ، فيستشرف استشراف المتردد فحينئذ يحسن تقويته بمؤكد.
والمستحسن فى باب البلاغة كالواجب ((وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي)) يلوح بالخبر كما قررنا وإنما جعلناه مما كان المقام فيه مقام التردد المقتضى لتقدير السؤال لا وجوده لما ظهر من أن التردد بالفعل لم يتحقق لأن حال الأنبياء عند من عرف زكاتها يبعد التردد فى كون نفسه تأمر بالسوء أو لا ، لكن لما نفى تبرئة النفس عن موجبات نقصانها صار المقام مقام التردد ، باعتبار أصل مفاد فافهم.
(وإما) أن يكون ذلك السؤال (عن غيرهما) أى : عن غير السبب المطلق وعن غير السبب الخاص ، بل عن حكم آخر يقتضى المقام السؤال عنه وذلك (نحو) قوله تعالى ((فَقالُوا سَلاماً)) (٢) أى : نسلم عليك يا إبراهيم سلاما وعند الإخبار بخطاب أحد مخاطبا ما قد يتعلق الغرض بمعرفة ما قاله ذلك المخاطب فكأنه قيل فما ذا ((قالَ)) إبراهيم فى جواب سلامهم أى : سلام الملائكة فقيل فى الجواب عن هذا السؤال قال
__________________
(١) يوسف : ٥٣.
(٢) الذاريات : ٢٥.