أنواع الاستئناف
(وهو) أى : هذا الاستئناف فيه (ثلاثة أضرب) أى : ثلاثة أقسام (لأن) المنبهم على السامع إما : سبب الحكم الكائن فى الجملة الأولى على الإطلاق بمعنى أنه جهل السبب من أصله ، وإما : سبب خاص بمعنى أنه تصور نفى جميع الأسباب إلا سبب خاص تردد فى حصوله ونفيه. وإما : غير السبب بأن ينبهم عليه شيء مما يتعلق بالجملة الأولى ف (السؤال) على هذا (إما) أن يكون (عن سبب الحكم مطلقا) أى : من غير تقدير لسبب خاص لجهله بصورة السبب أصلا (نحو قوله :
قال لى كيف أنت قلت عليل |
سهر دائم وحزن طويل) (١) |
فقوله عليل خبر مبتدأ محذوف ، أى : أنا عليل وهو جملة اقتضت سؤالا (أى ما بالك) أى ما حالك (عليلا) ، والسؤال عن حال العليل بعد العلم بعلته يوجب كون المعنى ما سبب علتك إذ لا يبقى ما يسأل عنه من أحوال العلة بعد العلم بها إلا سببها فيقدر هذا السؤال المفيد لهذا المعنى (أو) يقدر (ما سبب علتك) والعرف المعتاد أن السؤال فى نحو هذا الكلام ، إنما هو عن السبب مطلقا ، فإنه إذا قيل فلان مريض لم يتصور منه إلا مجرد المرض ويبقى السبب مجهولا فيقال ما سبب مرضه فيكون السؤال تصوريا ، بمعنى أنه يطلب تصور السبب فلا يكون المقام مقام التأكيد فى الجواب ، إذ ليس السؤال على وجه التردد فى ثبوت سبب خاص ، إذ لا يتصور فى ذلك شيء آخر من الأسباب سوى المرض يتردد فيه هل ثبت أولا فيكون السؤال عن وجود سبب خاص تصور فيطلب ثبوته ويتردد فيه ، كأن يقال هل سببه كذا أو لا أى : هل ثبت هذا السبب من أسباب المرض أو لا فيقتضى المقام التأكيد فى الجواب فإذا كان نحو هذا الكلام لا يفهم منه عادة مطلق سبب خاص مناسب يتردد فيه فأحرى هذا السبب الخاص الذى هو السهر والحزن ، فهما جديران بأن لا يتردد فى ثبوت أحدهما لأنهما أبعد الأسباب فى إحداث المرض ، نعم إذا وقع المرض فى جهة غلب فيها سبب خاص فيمكن أن يتردد فى ثبوته فيقال فيه هل سبب مرضه أكل الفاكهة الفلانية أو لا مثلا
__________________
(١) البيت في الإشارات والتنبيهات للجرجانى ص (٣٤) ، ومعاهد التنصيص (١ / ١٠٠).