إبراهيم فى جواب الملائكة ((سَلامٌ)) برفع سلام على أنه مبتدأ حذف خبره فاستفيد منه أنه حياهم بتحية أحسن ؛ لأن سلامه واقع بالجملة الاسمية المفيد للدوام والثبوت وسلامهم بالفعلية ؛ لأن نصب لفظ سلام بتقدير الفعل كما بينا وهو تفريق بين الجملتين واضح إن تكلم المتخاطبان بالعربية وإن تكلما بغيرها فيمكن اعتباره فى تلك اللغة بما يرادف مفيده فى العربية ، ومعلوم أن السؤال هنا ليس عن السبب بل عن غيره ، ثم هذا الغير أيضا إما أن يكون السؤال فيه على وجه العموم كما فى الآية وقد تقدم أن السؤال العام يكون طلبا للتصور فلا يؤكد ولذلك لم يؤكد هنا ، جريا على مقتضى الظاهر وبناء على أن الجملة الاسمية لا تفيد التأكيد إلا بمؤكد كما اختاره بعضهم ، أو يكون على وجه الخصوص ، كما أشار إلى مثاله بقوله : (و) ك (قوله : زعم العواذل) (١) ـ جمع عاذلة ـ أى : جماعة عاذلة لا جمع عاذل إذ لا يجمع بفواعل ، ويدل على إرادة الجماعة لا إمرة عاذلة مثلا قوله بعد (صدقوا) أى : أفراد تلك الجماعة فى زعمهم أننى فى غمرة (ولكن غمرتى) ليست كغيرها من الغمرات والشدائد فإنها غالبا تنجلى وغمرتى (لا تنجلى) أى : لا تنكشف فقوله : صدقوا جواب سؤال مقدر لأن الزعم مطية الكذب ، فيفهم أن ما زعموه يحتمل الصدق وعدمه فكأنه قيل : أصدقوا فى ذلك الزعم أم لا؟ فقيل : صدقوا ولقائل أن يقول إذا تصور من الكلام الأول الصدق فيما زعموا وتردد هل واقع ذلك الصدق أم لا؟ أو كان المقام مقام تردد فيجب التأكيد بأن يقال إنهم لصادقون مثلا وقد يجاب بأن السؤال المقدر لما كان فعلا أتى بالجواب مطابقا ، والتأكيد تقديرى معه بمثل القسم أى صدقوا والله مثلا ، أو يقال ليس كل سؤال يؤكد جوابه ، بل إذا ضعف بابتناء عن شك كما هنا لم يؤكد ، وفيه أن الزعم مطية الكذب فالأنسب الظن فى خلاف الحكم ، وذلك يقتضى التأكيد تأمل.
(و) نعود (أيضا) إلى تقسيم آخر فى الاستئناف باعتبار إعادة اسم ما استؤنف عنه الحديث والإتيان بوصفه المشعر بالعلية ، وإن كان الاستئناف فى ذلك لا يخلو أيضا من كونه جوابا عن السؤال عن السبب أو عن غيره الذى هو حاصل التقسيم السابق فنقول :
__________________
(١) البيت أورده الجرجانى في الإشارات ص (١٢٥) ، بلا عزو والطيبى فى التبيان ص (١٤٢) ، وفى عقود الجمان ص (١٨٢) ، وفى شرح شواهد المغنى (٢ / ٨٠٠) ، ومعاهد التنصيص (١ / ٢٨١) ، ومغنى اللبيب (٢ / ٣٨٣).