عليه ، ولو كان فعليا أنه طلب فعل كسائر الأفعال ، ولا يصدق عليه أنه طلب كف عن فعل آخر فهو النهى ، فلا يخرج الأول ، ولا يدخل الثانى ، فصح التعريف ، إذ كأنه قيل : طلب فعل من حيث إنه فعل وكف من ذلك ولا تدع الفعل نهى فهو طلب كف عن فعل آخر ، أى : طلب كف عن الكف المتعلق بالفعل ، والكف عن الكف يحصل بالفعل ، فهو من حيث إنه كف عن فعل آخر لا يصدق عليه أنه طلب الفعل من حيث هو ، ولكن على هذا لا يحتاج إلى زيادة قوله غير كف ـ كذا قيل ـ ولا يخفى ما فيه من التعسف ، إذ يمكن أن يقال فى قولنا كف ولا تدع الفعل طلب كف ، فيمكن أن يعتبر فيهما معا وحده ، فيكون فعلا أو بالنظر إلى متعلقه فيكون كفا عن فعل ـ تأمله.
ثم إن الأصوليين اختلفوا فى وضع صيغة الأمر ، فقيل : وضعت للوجوب فقط ، وهو مذهب الجمهور ، وقيل : للندب فقط ، وقيل : للقدر المشترك بينهما ، وهو مجرد الطلب على وجه الاستعلاء ، وقيل : هى مشتركة بينهما بأن وضعت لكل منهما استقلالا ، وقيل : بالتوقف ، أى : عدم الدراية ، وهو شامل للتوقف فى كونها للوجوب فقط ، أو للندب فقط ، والتوقف فى كونها للقدر المشترك بينهما ، أو مشتركة بينهما بمعنى أنا لا نعين شيئا مما ذكر ، وقيل : هى مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة ، وقيل : للقدر المشترك بين الثلاثة ، أى : الإذن فى الفعل ، ولما لم تفد الدلائل قطعا لشيء مما ذكر لم يجزم المصنف بشيء منها ، ولكن أشار إلى ما هو الأظهر عنده لقوة أمارته فقال : (والأظهر) من تلك الأقوال (أن صيغته) أى : الأمر ، والإضافة بيانية أى : الصيغة التى هى الأمر ؛ لأن الكلام فى الصيغة ـ كما تقدم ـ لا فى الكلام النفسى ؛ إذ لا يناسب هنا ، ثم لما كان المراد بالصيغة هنا ما دل على طلب فعل غير كف استعلاء سواء كان ذلك الدال اسما أو فعلا أشار إلى بيان ذلك بقوله : (من) الصيغة (المقترنة باللام) فمن لبيان أنواع الصيغة (نحو ليضرب زيد) فهم من هذا أن الصيغة الدالة على طلب الضرب هى الفعل ، واللام قرينة على إرادة الطلب به ، ويحتمل أن يكون المجموع من اللام والفعل هو الدال (و) من (غيرها) أى : غير المقترنة باللام (نحو) قولك (أكرم عمرا) هذه الصيغة فعل محض وقولك (رويد بكرا) هذه اسم فعل أى : أمهل بكرا فرويد