الأمر
(ومنها) أى : ومن أنواع الطلب (الأمر) وهو إذا أريد به هذا النوع من الكلام كما هنا يجمع بأوامر وهو حقيقة فيه ، وإذا أريد به الفعل وهو مجاز فيه ، يجمع بأمور ، ومن إرادة الفعل به قوله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(١) أى : فى الفعل الذى تعزم عليه ، ويعرف مرادا به المعنى الأول بأنه : طلب فعل غير كف طلبا كائنا على جهة الاستعلاء ، فخرج عن الطلب الخبر ، وخرج بالفعل النهى بناء على أن المطلوب به ترك الفعل ، وخرج بغير كف النهى ـ أيضا ـ بناء على أن المطلوب به فعل هو كف ، فالنهى يخرج عن التعريف على كلا التقديرين ، وخرج بقوله على جهة الاستعلاء الدعاء والالتماس ؛ لأن الأول من الأدنى ، والثانى من المساوى بخلاف الأمر فيشترط فيه طلب الآمر العلو ، ومعنى طلب العلو : أن يعد نفسه عاليا بإظهار حالة العالى لكون كلامه على جهة الغلظة والقوة ، لا على جهة التواضع والانخفاض ، فسمى عرفا ميله فى كلامه إلى العلو طلبا له ، سواء كان عاليا فى نفسه أو لا ، وقلنا : فيشترط فيه الخ ، ليخرج بذلك ما يصدق عليه أنه طلب على جهة الاستعلاء كالتمنى والعرض والاستفهام حيث يكون كل لطلب الفعل استعلاء ؛ لأنه لا يشترط الاستعلاء فيها ، وإنما يشترط فى الأمر ، وأورد على هذا التعريف عدم تناوله لنحو كف ودع وذر ونحوه ، فيفسد عكسه ، ولكن هذا الإيراد بناء أن التعريف للأمر النفسى واللفظى معا ، أو يراد به اللفظى فقط ، وهو المناسب هنا ؛ لأن الكلام فى الإنشاء لغة ، وهو لفظى ، وأما أن يريد به النفسى على ما عند الأصوليين فلا إيراد ، لكن لا يحتاج إلى زيادة قوله غير كف ؛ لأن الطلب النفسى للفعل هو الأمر اصطلاحا ، ولو دل عليه لا تدع الفعل ونحوه ، وطلب الترك نهى ، ولو دل عليه كف ، واترك ونحوه ، وزيادة من زاد بناء على إرادة النفسى مدلول عليه بغير كف اصطلاح منه غير مسلم ، نعم إن اعتبرت الحيثية فى الحد مطلقا لم يرد النقض على التعريف ؛ لأن الكف له حيثيتان ، إحداهما : حيثية كونه فعلا من جملة الأفعال المقدورة ، والأخرى : حيثية كونه كفا عن فعل آخر ، فإذا اعتبرت الحيثية الأولى فكف يصدق
__________________
(١) آل عمران : ١٥٩.