زيادة فى تعريف حاله ، وفى التهويل بعذابه بقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ عالِياً)(١) فى ظلمه (من المسرفين) فى عتوه فكيف حال العذاب الذى يصدر من مثله؟ ولما كان الأمر الهائل من شأنه عدم الإدراك حقيقة ، أو ادعاء لزم من ذلك أن من شأنه أن يكون مجهولا يسأل عنه ، فبين التهويل والاستفهام ملابسة ، فاستعمل لفظ أحدهما فى الآخر مجازا (و) ك (الاستبعاد) أى : عد الشيء بعيدا ، والفرق بينه وبين الاستبطاء أن الاستبطاء : عد الشيء بطيئا فى زمن انتظاره ، وقد يكون محبوبا منتظرا أو الاستبعاد عد الشيء بعيدا حسا أو معنى ، وقد يكون منكرا مكروها غير منتظر أصلا ، وربما يصلح المحل الواحد لهما ولو اختلف مفهومها. والاستبعاد (نحو) قوله تعالى (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ* ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ)(٢) فإن الاستفهام الحقيقى لا يصح من علام الغيوب مع منافاته للجملة الحالية ، فإن مثل هذا الكلام عرفا إنما يراد به الاستبعاد ، فهو بدليل قرائن الأحوال للاستبعاد لذكراهم ، فكأنه قيل : من أين لهم التذكر والرجوع للحق والحال أنهم جاءهم رسول يعلمون أمانته ، فتولوا وأعرضوا ، بمعنى أن الذكرى بعيدة عن حالهم ، وغاية البعد النفى لذلك فسر تفسيرا معنويا بما يقتضى النفى والإنكار ، بأن قيل كيف يتذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان إن كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو أعظم ، وأدخل فى وجوب الأذكار من كشف الدخان ، وهو ما ظهر على يد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الكتاب المعجز ، وغيره من المعجزات ، فلم يذكروا بل أعرضوا ، وإنما قلنا : تفسيرا معنويا ؛ لأنه تقدم أن أنى إذا كانت بمعنى كيف لم يلها إلا الفعل ، والعلاقة أن المهول به بعيد الإدراك ، فمن شأنه أن يكون مجهولا فيسأل عنه ، وإنما نبهنا على العلاقة فى استعمال الاستفهام لغيره ، لاستبعادهم إياه ـ فليتأمل.
__________________
(١) الدخان : ٣١.
(٢) الدخان : ١٣ ، ١٤.