بَشَرٌ مِثْلُنا)(١) أى : ما تتصفون إلا بالبشرية مثلنا لا بنفيها كما أنتم عليه ، ومعلوم أن المخاطبين وهم الرسل ـ على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسّلام ـ لا يجهلون بشريتهم ولا ينكرونها والمحكى عنهم هذا الكلام وهم الكفار لا يعتقدون أيضا أنهم ينفون عن أنفسهم البشرية ، ولكن نزلو لهم منزلة المنكرين للبشرية (لاعتقاد) أولئك (القائلين) ـ وهم الكفار ـ (أن الرسول لا يكون بشرا) ، إنما يكون ملكا (مع أصرار المخاطبين) بهذا الخطاب (على دعوى الرسالة) فصار الرسل فى اعتقاد المتكلمين بهذا الكلام بمنزلة من ادعى نفى البشرية صريحا ؛ لأنهم فى اعتقادهم ادعوا ما يستلزم نفيها ، وهو الرسالة ، ولا فرق بين من ادعى نفى الشيء ، ومن ادعى ما يستلزم نفيه وقد تقدم أن التنزيل أصله تشبيه المنزل بذى المنزلة ، والتنزيل هنا منشؤه اعتقاد المتكلمين ما ادعى المخاطبون ثبوته يستلزم نفى المحصور فيه ، فقد روعى فيه حال المتكلم ، والمخاطب ، بخلاف ما تقدم فمنشؤه حال المخاطب فقط وإنما خاطبوهم بهذا الخطاب ، ولم يقولوا : ما أنتم رسل الذى هو مرادهم لأنه من زعمهم أبلغ إذ كأنهم قالوا : أنكرتم ما هو من الضروريات ، وهو ثبوت البشرية ، وأنتم لا تتعدون الاتصاف بها إلى الاتصاف بنقيضها الذى ثبتت معه الرسالة ، ولهذا كان قصر قلب وقيل إنه يمكن أن يكون قصر أفراد جريا على الظاهر من غير تنزيل ، فكأنهم قالوا : ما اجتمعت لكم البشرية والرسالة كما تزعمون ، أو قصر قلب بلا تنزيل أيضا بأن يكون المراد : ما أنتم إلا بشر مثلنا لا بشر أعلى منا بالرسالة.
ولما كان هنا مظنة سؤال ، وهو أن يقال مخاطبة الكافرين للرسل بالحصر المذكور تقتضى أن الرسل فهموا عنهم مرادهم ، وأن المعنى ما أنتم إلا بشر لا رسل بقرينة من القرائن لأن الغالب أن إيراد الكلام فى المحاورات يكون على وجه يفهم المخاطب به المراد منه وإلا خلا الخطاب بها عن الفائدة فقول الرسل ـ على نبينا وعليهم
__________________
(١) إبراهيم : ١٠.