الصلاة والسّلام ـ (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)(١) ظاهره إقرار بما ادعته الكفرة ، وتسليم للحصر على وجهه وذلك إقرار بنفى الرسالة وهو محال فما المراد بهذا القول؟ أشار إلى الجواب عن ذلك فقال : (وقولهم) أى وقول الرسل للكافرين (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) من باب مجاراة الخصم أى مماشاته ومسايرته بإرخاء العنان له بتسليم بعض مقدماته صحيحة كانت أو فاسدة ؛ (ليعثر) أى ليسقط ويزل فهو من العثار وهو الزلة من العثور وهو الاطلاع وإنما يسلم له بعض المقدمات (حيث يراد تبكيته) أى إسكاته ، وقطعه بأن يرتب عليها بعد استماعه ، وطماعيته فى الظفر ما ينقطع به إما بإظهار أنها بعد تسليمها لا تستلزم المطلوب أو أنها تستلزم ما يناقض المطلوب ، فينقطع الخصم فى استدلاله فى الأول بأن يحتاج إلى دليل آخر أو ينقطع فى مطلوبه فى الثانى (لا تسليم انتفاء الرسالة) أى : ما قالته الرسل إلا للمجاراة.
ولم يقولوه لتسليم انتفاء الرسالة عنهم ، وذلك لأن المراد ما نحن إلا بشر لا ملائكة كما تقولون لكن لا ملازمة بين البشرية ، ونفى الرسالة كما تعتقدون فإن الله تعالى يمن على من يشاء من عباده بخصوصية الرسالة ، ولو كانوا بشرا فالمجاراة هنا ليست من باب تسليم المقدمة الفاسدة ليترتب عليها ما يناقض المقصود بل من باب تسليم الصحيح ، وبيان أنه لا يستلزم المطلوب كما لا يخفى لكن إطلاق المجاراة على الأول أكثر.
وإذا كان الإتيان بالحصر لحكاية المسلم لم يرد أن يقال الحصر إنما يكون للإنكار والخصوم هنا غير منكرين كون الرسل بشرا لا ملائكة فلا يناسب الحصر هنا من جملة موافقة حكايته عن الخصم لبيان أنه لا يستلزم المراد ، فالكافرون هنا حصروا الرسل فى البشرية دون الملائكة زاعمين أن ذلك الحصر يستلزم نفى الرسالة للتباين بين البشرية والرسالة فى اعتقادهم ، فسلم لهم الرسل الحصر ، فحكوه عنهم لا لرده بل لتحقيقه ، وبيان أنه لا يستلزم نفى الرسالة عما زعموا ؛ لأن الرسالة منة من القادر على أن يجعلها فيمن يشاء من بشر أو غيره ، كما يقال لمن قال أنا أعرف العربية ما أنت إلا
__________________
(١) إبراهيم : ١١.