حمل فرد ، والحقيقة من حيث هى متحدة لا يمكن الاستثناء منها من حيث هى ، وإنما يستثنى منها من حيث أفرادها الصادقة على الموضوع فلا بد من اعتبارها على وجه يتناول أفرادا صادقة على الموضوع ، فإذا قيل مثلا : ما زيد إلا قائم قدر ما زيد حقيقة من الحقائق أى متحدا بها وموصوفا بها إلا حقيقة القائم فكأنه قيل : ما زيد قاعدا ولا مضطجعا ولا كذا من سائر الحقائق إلا حقيقة القائم فهو كائن إياها ، وإن شئت قدرت : ما زيد بشيء مما يعتقد أنه كان إياه إلا قائم فعلى وزانه فى الآية يكون التقدير : ما محمد حقيقة من الحقائق التى تعتقدون أى موصوفا بذلك إلا حقيقة الرسول ، فإنه كائن إياها أو ما محمد بشيء مما تعتقدون أنه كان إياه إلا رسول ، فكأنه قيل : ما محمد متبرئا من الهلاك ولا غير ذلك مما لا يناسب من الحقائق إلا حقيقة الرسول.
ويجب أن يعلم أن معنى قولنا كان هذا تلك الحقيقة أنه طابقها واتصف بحصة من حصصها ، لا أنه كان نفسها من حيث إنها حقيقة ، وإلا كان الجزئى كليا والعكس ، وقد صعب تقديره للدقة التى فيه على كثير فليفهم.
فمعنى ما محمد إلا رسول على هذا أنه مقصور على الرسالة دون ما تعتقدون مشاركة الرسالة ، وفيه التبرى من الهلاك وإلى هذا أشار بقوله (أى) هو (مقصور على الرسالة) العامة (لا يتعداها إلى التبرى من الهلاك) كما عليه المخاطبون ، ومعلوم أن اعتقاد المشاركة المنفى بهذا الطريق لم يوجد من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ للعلم بأنهم لا يعتقدون أن النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا يهلك أبدا ، وأنهم لا يثبتون ذلك كما أثبتوا الرسالة لكنهم لما كانوا يعدون هلاكه أمرا عظيما لحرصهم على بقائه بين أظهرهم حتى لا يكاد يخطر ببالهم الهلاك (نزل استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه) أى : ويلزم من ذلك تنزيل علمهم منزلة جهلهم ؛ لأن الإنكار يستلزم الجهل ولما نزل استعظامهم ذلك منزلة الإنكار الذى يحتاج إلى تأكيد النفى استعمل له النفى والاستثناء.
ووجه التنزيل أن مستعظم الشيء الحريص على عكسه لو أمكن له نفى ذلك الشيء لنفاه فهو كالنافى وجه الرضا والمحبة ، وأصل التنزيل تشبيه الشيء