والإنكار فلو أنكر معاندا كان للتنزيل الآتى ، ثم اشتراط الجهل لا بد منه فى سائر الطرق ولكن المراد بالجهل هنا أن يكون من شأنه أن لا يزول إلا بالتأكيد على ما سننبه عليه فيما بعد (بخلاف) الطريق (الثالث) ، وهو إنما فإن أصله يستعمل فى الحكم الذى أصله أن يعلمه المخاطب ، ولا ينكره ، والمراد بعلمه أن يكون المعلوم لكونه من شأنه أن يظهر أمره بحيث يزول إنكاره بأدنى تنبيه فى زعم المتكلم ، وأما لو كان المراد به أن يكون معلوما غير منكر حقيقة لم يصح باعتباره إذ لا قصر حقيقيا إلا فى الجهل والإنكار ، فالفرق بين الطريقين كون محل الأول مما يحتاج فيه إلى التأكيد ، ومحل الثانى مما لا يفتقر إلى ذلك ، وإلا فلا بد من الجهل والإنكار فيهما ، وبهذا يصح الكلام ، ويطابق ما فى المفتاح.
ولو كان الطريقان قد يجرى كل منهما على أصله ، وقد يخرج عن أصله بتأويل أشار إلى أمثلة الجريان على الأصل ، وعلى عدمه فيهما فقال : (كقولك لصاحبك و) الحال إنك (: قد رأيت شبحا) أى : شخصا (من) مكان (بعيد) ، وقيد بالبعد لأنه مظنة الجهل والإنكار (ما هو إلا زيد) هذا معمول قوله كقولك أى قولك : ما ذلك الشبح إلا زيد تقول ذلك (إذا اعتقده) مخاطبك (غيره) أى غير زيد حال كونه (مصرا) أى مصمما على اعتقاد ذلك الشبح غير زيد ، فهذا المثال على هذا تحقق فيه الجهل والإنكار فيما من شأنه أن يجهل وينكر لبعد مضمونه جهلا لا يزول إلا بالتأكيد فاستعملت فيه ما وإلا على أصلها.
(وقد ينزل) الحكم (المعلوم) حقيقة (منزلة) الحكم (المجهول) الذى يحتاك فى نفى جهله إلى تأكيد وذلك التنزيل (لاعتبار) أى لأمر معتبر (مناسب) للمقام (فيستعمل له الثانى) ، أى فبسبب ذلك التنزيل يستعمل فى ذلك المعلوم الطريق الثانى ، وهو النفى والاستثناء ، ثم ذلك القصر حينئذ إما أن يكون (أفرادا) أى قصر أفراد (نحو) قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(١) فقوله : إلا رسول استثناء من مقدر عام على أصل التفريغ والمقدر فى نحو هذا محمول والمحمول يراد به الحقيقة إذ لا يصح فى الأصل
__________________
(١) آل عمران : ١٤٤.