أنا الذائد) (١) اسم فاعل من الذود وهو الطرد بالسيف وغيره ، وعرف الجزأين لقصد حصر الجنس مبالغة أى : أنا هو الذائد الحقيقى لا غيرى إلا من كان على وصفى (الحامى) أى : الحافظ والمحصن (الذمار) بالذال المعجمة وهو ما يلام الإنسان على عدم حمايته من حماه وحريمه ، وهو مأخوذ من الذمر وهو الحث ؛ لأن ما تجب حمايته يتذامرون أى يحث بعضهم بعضا على الدفاع عنه فى الحروب.
(وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلى) أى : إنما وصفت نفسى بأنى أنا الذائد لا غيرى ؛ لأنه لا يدافع عن الأحساب إلا أنا أو من كان على أخص وصفى ، فالواو للاستئناف البيانى ، لا للعطف وهى فى ذلك فى معنى التعليل.
ومعلوم أنه لا يصلح من الفواصل هنا غير إلا وهى إنما تكون بعد ما فيكون معنى الكلام : لا يدافع عن الأحساب إلا أنا لا غيرى وإنما أخره عن الأحساب بعد فصله ؛ لأن المحصور فيه يجب تأخيره فيفيد المعنى المذكور ولو أخر الأحساب أفادت إنما حيث تضمنت معنى ما وإلا أنه إنما يدافع عن أحسابهم لا عن أحساب غيرهم ، ويجب حينئذ وصل الضمير وتحويل الفعل إلى صيغة المتكلم فيكون التقدير هكذا : وإنما أدافع عن أحسابهم.
وقصد الفرزدق الحصر الأول المفاد بهذا التعبير دون هذا لأنه أبلغ وأنسب إذ هو فى مقام الافتخار وافتخاره بأنه لا يدافع عن الأحساب مطلقا إلا هو ، ومثله أقوى من افتخاره بأنه لا يدافع إلا عن أحساب هؤلاء دون غيرهم ؛ لأن ذلك لا ينافى صنيعه ، وكونه ليس من الدافعين مطلقا لصحة عروض الدفع عن أحساب معينة لمن هو مكره لا بطل ، أو لمن هو عاجز عن الدفع عن أحساب غيرهم بخلاف الوجه الأول لا يقال : لا يتعين كون فصل الضمير دليلا على معنى الحصر إذ لو كان بتقدير فاصل ، والفرض أن لا فاصل يصلح غير إلا فيفيد الحصر.
__________________
(١) البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ١٥٣ ، والإيضاح ص ١٢٦ بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٦٠ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٦٥ ، ولسان العرب (قلا) ولأمية بن أبى الصلت في ديوانه ص ٤٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١١ ، ولسان العرب (أنن).