وما المانع من أن يكون الفصل للضرورة فعدل إلى فعل الغيبة لأنه هو الذى يمكن الفصل معه دون فعل المتكلم لوجوب استتار الضمير فيه لأنا نقول ههنا مندوحة عن ارتكاب الفصل المحوج لجعل الفصل غيبة ، وهو أن يؤتى بفعل المتكلم ثم يؤتى بالضمير لتأكيد المستكن لا أنه فاعل مفصول ، وذلك بأن يقال مثلا : وإنما أدافع عن أحسابهم أنا فلو لم يقصد الحصر الموجب لفصل ضمير الفاعل لأتى بالتركيب هكذا ، فيتجه أن يدعى أن لا فصل للفاعل فلا حصر ، ولكن إنما يتم هذا الجواب إن بنى على أن الضرورة هى مالا مندوحة للشاعر عنه.
وأما إن بنى على أنها ما حضر للشاعر فلم يتم ثم ما جعل دافعا للضرورة يلزم فيه عطف مثلى على فاعل أدافع ولا يصح أدافع مثلى ، ولكن يغتفرون فى الثوانى مالا يغتفرون فى الأوائل كما قيل فى قوله تعالى (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١).
ولا يقال أيضا هاهنا وجه يوجب فصل الضمير من غير تقدير كون إنما بمعنى ما وإلا فلا يتم هذا الشاهد على المراد ، وهو أن يجعل ما موصولة وأنا خبرها ليفيد الكلام الحصر بتعريف الجزأين ، ويكون فصل الضمير لكونه خبرا ، وليس يدافع رافعا حتى يكون منفصلا عنه ؛ لأنا نقول المقام مقام الافتخار فلا يناسبه التعبير بما التى هى لغير العاقل مع إمكان التعبير بمن ، ويستقيم الوزن فلا وجه للتعبير من البليغ بما فى موضع من ولكن قيل : إن هذا يمكن أن يوجه بقصد الوصف ؛ لأنه أهم فى المقام فيكون الموقع موقع ما أى أن الدافع أنا فانظره.
طريقة التقديم
(ومنها) أى من طرق القصر (التقديم) أى : تقديم ما حقه التأخير ، مثل تقديم الخبر على المبتدأ ، والمعمولات مثل : المفعول والمجرور والحال على العامل (كقولك فى قصره) أى : قصر الموصوف على الصفة : (تميمى أنا) بتقديم الخبر على المبتدأ فيفيد قصر المتكلم على التميمية لا يتعداها إلى القيسية مثلا ، وإنما اقتصر على مثال واحد مع أن الأنسب لصنيعه الإتيان بمثالين أحدهما لقصر القلب وهو ما يتنافى فيه الوصفان ، والآخر
__________________
(١) البقرة : ٣٥.