ثم أشار إلى الوجه الثانى من أدلة إفادة إنما للحصر كما وإلا بقوله : (ولقول النحاة) وهم إنما يقولون ما تقرر عندهم من جهة اللغة (إنما) يكون (لإثبات ما بعده) أى : لإثبات الحكم المتضمن لما بعده (و) ل (نفى ما سواه) أى : ما سوى ذلك الحكم ، وهذا الكلام منهم يقتضى تضمنها لإثبات ونفى كما وإلا أعم من أن يكون المغاير المنفى مغايرا لما فيه من المشاركة فى قصر الأفراد بناء على أنها تستعمل له أو مغايرا لكونه نقيض الحكم كما فى قصر القلب والتعيين ، وإذا كانت لنفى غير المذكور من حيث إثبات المذكور فى الجملة صح فيها قصر الموصوف ، فيكون الغير المنفى فى قصر الموصوف هو اتصاف الموصوف بصفة أخرى غير المثبتة ، فإذا قلت فى قصره : إنما زيد قائم أفاد ثبوت اتصاف زيد بالقيام ، ونفى اتصافه بغيره من القعود ونحوه ، فقد قصرت الموصوف الذى هو زيد على الاتصاف بالقيام فقط ، ولا يتعداه إلى غيره من القعود مثلا كما يعتقد المخاطب ، وصح فيها قصر الصفة ؛ فيكون الغير المنفى بها فى قصرها فى قولنا مثلا : إنما قائم زيد هو اتصاف غير زيد بالقيام ، والمثبت هو المذكور ، وهو اتصاف زيد به.
ثم أشار إلى الوجه الثالث بقوله : (ولصحة انفصال الضمير معها) أى مع إنما يعنى فى حال إمكان وصله ، والقاعدة أن الضمير إذا أمكن وصله وجب ، فلا يعدل عن وصله إلا لموجب ، وموجبات الفصل إما تقديمه وإما وجود فاصل بينه وبين عامله من الفواصل التى علم أنها توجب فصل الضمير عن عامله.
والتقديم هنا لم يحصل والفواصل المعلومة فى النحو لا يصلح منها للتقدير فى مواقع إنما إلا ما وإلا فتعين كونها للحصر كما وإلا ، وفى هذا الاستدلال نوع من المصادرة لتوقفه على عدم صلاح غير ما وإلا فى محل إنما وهو الدعوى تأمل.
وإنما قال : لصحة ، ولم يقل : لوجوب فصل الضمير مجاراة لظاهر ما قيل من أن إنما لا يجب فصل الضمير معها ، ولو كان التحقيق أن الضمير معها يجب فصله عنها متى قصد الحصر فيه ، وإنما يتصل إذا لم يقصد الحصر فيه ، ثم استشهد بكلام من يستشهد بكلامه من فصحاء العرب ، وسماه ليعلم أنه مما تقوى الحجة بقوله فقال (قال الفرزدق :