كقولك : زيد المنطلق والمنطلق زيد يفيد حصر الانطلاق تقدم أو تأخر فى زيد وعلى وزانه يفيد الكلام حصر التحريم فى الميتة ؛ لأن المعنى إن المحرم عليكم هو الميتة فإذا جعلت إنما فى الأولى للحصر طابقت هذه التى فيها تعريف الجزأين ، وإلا لم تطابقها كما لا يخفى ، وإنما جعلنا ما ـ فى إنما ـ كافة فى قراءة النصب فصح تقوية إفادة إنما الحصر بطباقها قراءة الرفع التى فيها تعريف الجزأين ، ولم نجعلها موصولة حتى لا يصح ذلك ؛ لأنا لو جعلناها موصولة بقى الموصول بلا عائد إن أطلقت ما على غير الله سبحانه وتعالى ، وإن أطلقت عليه تعالى كان فيه سوء أدب حيث أطلق ما هو لغير العالم فى الأصل على العالم ومع ذلك فيبقى الموصول بلا خبر.
فإن قدر أن المعنى الذى حرم عليكم الميتة هو الله تعالى فحذف الخبر لم يصح هذا المعنى فى هذا المقام لأنه يفيد الحصر فى المحرم بكسر الراء وأنه الله تعالى لا غيره وهو معلوم ، وإنما المراد الحصر فى المحرم بفتحها وأنه الميتة لا غيرها ، وقد تقدم أنا لم نجعل ما فى قراءة الرفع كافة حتى لا تصح التقوية بالمطابقة لأن الشيء لا يطابق نفسه ؛ لأنها لو جعلت كذلك لم يصح كما لا يخفى إلا أن قدر أن الميتة خبر لمحذوف ، والمفعول محذوف وهو بعيد كما بينا فلا يرتكب فى القرآن العظيم مع وجود ما هو أسهل منه.
وهذا كله على أن حرم مبنى للفاعل ، ويدل على إرادته أن المصنف لم يغاير بين القراءة الأولى ، وهذه إلا بالرفع وأما حرم فهو مبنى للفاعل وبعضهم فهم أن المراد بقراءة الرفع القراءة التى بنى فيها حرم للمجهول مع رفع الميتة على النيابة ، فطالب المصنف فيما قاله تبعا للسكاكى بوجه كون ما فيها موصولة يحصل بها تعريف الجزأين ، فتطابق الموصولة الكافة فى إفادة الحصر فيحصل تقوية إحدى القراءتين بالأخرى فإنها تحتمل أن تكون كافة كما اختاره الزجاج فلا تقوي إحدى القراءتين بالأخرى ؛ لأن ما كافة فيهما يعنى فعلى أنها كافة يكون المعنى بناء على أنها تفيد الحصر ما حرم عليكم إلا الميتة ، وعلى أنها موصولة يكون المعنى : أن الذى حرم عليكم هو الميتة بالرفع فيهما ، والتحقيق أن مراد المصنف ما تقدم كما بينا فلا يرد هذا عليه ولا على السكاكى وعلى تقديره ، فيترجح احتمال الموصولية ببقاء إن عامله فيصح التقوية بها.