المعتقد نفى الحكم المعتقد ، وفى العطف بالنفى أو الإثبات تقرير ما تقرر أولا ؛ فقد توصل بالعطف المفيد للحصر صراحة إلى التأكيد المناسب للمقام ثم لو سلم عدم الحاجة إلى التأكيد فى المقام ففى التعرض للنفى إشعار بأن المخاطب اعتقد العكس ؛ لأن القيد الزائد حيث لا يحتاج إليه تطلب له فائدة وأقرب شيء يعتبر فائدة له بالذوق السليم الرد على المخاطب ، فإن المتبادر من قولنا : كان كذا لا كذا أن المعنى : لا كذا كما تزعم أيها المخاطب ، وكذا قولنا : ما كان كذا بل كذا معناه : بالذوق ـ السليم ـ ما كان كذا كما تزعم ـ أيها المخاطب بل كذا ، وأيضا فى العطف فى المتنافيين نفى توهم أن وقتها مختلف ، فلا يكون فيه نقض اعتقاد المخاطب فليتأمل.
لا يقال قد قررت أن مقام قصر القلب مقام إنكار ، وبينت أن العطف فيه يفيد التأكيد ، ومعلوم أن قصر الأفراد إنما يرد فى مقام الإنكار أيضا ، ولا تأكيد فيه أصلا لأن الحكم المثبت معلوم مسلم ولا معنى للتأكيد فيه والمنفى ـ وهو المنكر ـ لم يشتمل على أداة تأكيد ، فلم يستقم فيه أن العطف للتأكيد ، ولا جرى على قاعدة الخطاب الإنكارى ؛ لأنا نقول المنكر على المخاطب فى قصر الأفراد هو التشريك ، والعطف فيه يفيد الوحدة باللزوم ويفيد بالمطابقة نفى غير من انتسب له الحكم ، والكلام على تقدير الوحدة فإذا قيل : زيد جاء لا عمرو فمعناه جاء زيد وحده لا عمرو ، ففيه تأكيد الوحدة المنافية للتشريك المدعى إلا أنه كثيرا ما يستغنى عن ذكر تلك الوحدة بالعطف لاستلزامه إياها ، ففى الكلام مع العطف تأكيد بهذا الاعتبار فليتأمل.
(و) كقولك (وقصرها) أى : فى قصر الصفة على الموصوف فى صورة تقديم الإثبات (زيد شاعر لا عمرو) هذا يصلح مثالا لقصر القلب إذا اعتقد المخاطب أن الشاعر عمرو لا زيد ، ومثالا لقصر الأفراد إذا اعتقد مشاركة عمرو زيدا فى الاتصاف بالشعر (و) كقولك أيضا فى قصرها فى صورة تقديم النفى : (ما عمرو شاعرا بل زيد) هذا أيضا يصلح مثالا لقصر القلب حيث يعتقد المخاطب أن عمرا هو الشاعر دون زيد ، ومثالا لقصر الأفراد حيث يعتقد نفى الشعر عنهما معا ، ومثل بل فى ذلك لكن ، ولا فرق فى إفادة القصر ـ فى هذا المثال بين تقديم الوصف وتأخيره إلا أنه عند تقديمه