الكتابة من شعر ، وقيام ، وقعود وغير ذلك ، فهذه الأوصاف المنفية وغيرها لا بد من ثبوت نقيضها مع الكتابة وإلا لزم ارتفاعها وارتفاع نقيضها وهو محال ، ولا يدفع هذا كون المحال لا يقصد نفيه ، ولا قصد الأوصاف الوجودية فقط ؛ لأن الكلام فى القصر الحقيقى ، وهو لا يتصور إلا بنفى كل ما هو غير المثبت ، ثم قصد الأوصاف الوجودية فقط ؛ لو سلمنا كونه عذرا لم يندفع به ما ذكر فإنا لو قصدناها لم يتأت الدفع أيضا ؛ إذ من جملة المنفيات الحركة مثلا فيلزم ثبوت السكون بانتفائها ، ولا يتأتى نفيهما معا لمساواة كل منهما لنقيض الآخر ، ولكن يرد هذا بأن غايته الامتناع فى بعض الأحيان ، وهو ما إذا كان الموصوف الجسم والوصف غير الحركة والسكون ، وهو ظاهر فليفهم.
هذا إذا أثبتنا وجودية وسلبنا ما سواها ، كما فى المثال ، فيتعذر معها سلب نقائض المنفيات ، وإذا أثبتنا سلبية فإن كانت سلب كل صفة كأن يقال (ما زيد إلا ليس موصوفا بشيء من الصفات) فهذا الكلام فاسد ضرورة اتصافه بنفس السلب ، وبالوجود أو العدم ، وبالإمكان والاستحالة ، وإن كانت سلب بعض الصفة كأن يقال (ما زيد إلا ليس بكاتب) فكل ما لا يناقض نقيض نقيض الكاتب كالقيام والقعود وجميع الأوصاف مما ليس بكتابة لا يقتضى هذا الحصر نفيه فلم يتحقق الحصر الحقيقى أيضا ، وقد يقال فى بيان الاستحالة المحصور ، إما أن يكون موجودا أو معدوما ، فإن كان موجودا فنفى وجوده ووجوبه وإمكانه وغيريته لما سواه محال ، وإن كان معدوما فنفى عدمه وإمكانه واستحالته وغيريته لما سواه محال ، وهذا أقرب فى بيان الاستحالة إدراكا من الوجه الأول تدبره.
(والثانى) من الحقيقى ، وهو قصر الصفة على الموصوف (كثير) معناه فلا يتعسر وجوده وذلك (كقولك ما فى الدار إلا زيد) فإن لفظ الدار إذا أريد به دار معينة صح أن تحصر هذه الصفة وهو الكون فيها فى زيد ، بحيث لا يكون فيها غيره أصلا ، وإنما قلنا معينة ؛ لأنه لو أريد مطلق الدار لم يتأت عادة حصر الكون فى مطلق الدار فى زيد ، إذ لا بد من كون غير زيد فى دار ما وورد على هذا المثال أن الكون فى الدار المعينة لا ينحصر فى زيد ؛ لأن الهواء الذى لا يخلو منه فراغ عادة كائن فى الدار ، فإن أريد نفى