الشرف المقتضى للأهمية فى الجملة ، ولأن الأهمية الذاتية إنما تفيد التقديم ، وتكون ذاتية لذلك إن لم يعارضها مناسبة المقام الذى هو مقتضى البلاغة التى هى أعظم ما وقع به إعجاز القرآن. وأورد على هذا أن قول القائل القراءة أهم من ذكر اسم الرب تعالى فى غاية البشاعة ، وأجيب بأن المراد : أن الأمر بالقراءة أهم من الأمر بخصوص القراءة لا من اسم الرب ، وفيه نظر ؛ لأن مقتضى الإيراد الأول أن تقديم اسم الرب للاهتمام أنسب ، فلا يرد بأن يقال تقديم الأمر بالقراءة أنسب من الأمر بالاختصاص ؛ لأن الكلام فى الاهتمام فلا معنى لدفعه بأن الأمر بالقراءة أهم من الأمر بالخصوص ، كما لا يخفى ، فالإيراد باق اللهم إلا أن يجاب بأن المراد : قراءة اسم الرب فلا بشاعة فى أهمية قراءة اسم الرب على نفس الاسم ؛ لأن الأهمية بوصف الشيء هى أهمية فى الحقيقة بذلك الشيء إلا أنها من جهة الوصف ، أو يقال المعنى : أن مطلق القراءة أهم من القراءة المخصوصة بتقديم الاسم لاقتضاء الخاصة أن مطلقها معلوم ، وإنما المجهول تعلقها بمخصوص والمقام ينافى ذلك ، لكونها أول ما نزل.
وأشار بقوله (و) أجيب أيضا (بأنه) وهذا الجواب للسكاكى أى : باسم ربك (متعلق باقرأ الثانى) على أنه مفعول بزيادة الباء كما يقال : خذ بالخطام وخذ الخطام لقصد تأكيد الملابسة ؛ لإفادة الدوام والتكرار وعلى هذا يكون اسم ربك هو المقروء أى : اذكر اسم ربك وهو المناسب لما ورد وهو قوله صلىاللهعليهوسلم (ما أنا بقارئ) (١) إذ هو اعتذار متضمن لطلب ما يقرأ أو على أن الباء للملابسة ، أو التبرك فيكون اسم ربك مقروءا به أى : يستعان به على القراءة ، أو متبركا به وعلى هذا يكون اقرأ الثانى إما لازما باعتبار المقروء أى : أوجد القراءة متبركا باسم ربك ، ومستعينا به ، وتعليم المقروء حينئذ بذكر السور بعد ، وإما متعديا أى : اقرأ القرآن ، وتعديه بجعل الباء زائدة للدوام ، أو لحذف المفعول وهو القرآن هو المناسب لقوله (ومعنى) اقرأ (الأول أوجد القراءة) لأن هذا المعنى هو مفاد اللزوم إذ ليس فيه إلا مجرد الأمر بوجود القراءة المدلولة لأصل الفعل من غير مراعاة مفعول ما ، وذلك كما تقدم فى قولهم : فلان
__________________
(١) أخرجاه في الصحيحين ، وهو حديث بدء الوحي.