أن يقال : يكون للاهتمام ؛ لأن المقام مقام الاستشفاع بتلك الآلهة فإن قيل الاختصاص حيث يقصد به الرد إنما يكون للرد على من زعم اختصاص الغير أو مشاركته فى الحكم ، فإذا قيل باسم الله وقصد الاختصاص كان المعنى : إنى أبتدئ باسم الله لا بغيره فقط أولا بغيره معه ، كما تعتقدون أيها المخاطبون.
والمشركون لا يعتقدون أن المؤمنين يبتدئون بأسماء آلهتهم مع الله تعالى ، أو بانفرادها فكيف صح التخصيص هنا للرد على المشركين. قلت : الرد عليهم فى اعتقادهم أن الآلهة ينبغى أن يبتدأ بأسمائها ، فلما حصر المؤمن الابتداء فى اسم الله تعالى فهم منه أنه لا ينبغى لى أن أبتدئ مع الله تعالى باسم آلهتك أيها المشرك ؛ لبطلانها وعدم نفعها فلا يلتفت إلى الابتداء بها ، فالحصر بالنظر إلى نفى إمكان الابتداء بأسماء الآلهة وانبغائه كما عليه المخاطب لا بالنظر إلى نفى الوقوع فافهم. والله أعلم (وأورد) على مقتضى ما ذكر (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(١) لأن قوله تعالى باسم ربك يناسب تقديمه على متعلقه ؛ لإفادة الاختصاص والاهتمام كما فى البسملة للرد على المشركين مع زيادة الاهتمام فإذا ظهر فيه مناسبة التقديم كما فى البسملة فرعاية ذلك فيه أحق ؛ لأن رعاية مقتضى البلاغة فى كلام الله تعالى أولى وأوجب ، فلو كان التقديم مفيدا للاختصاص والاهتمام لوجب تقديم باسم ربك على اقرأ ، فإن لم يتعلق الغرض بالتخصيص بالاهتمام لا بد من مراعاته ؛ لأشرفية اسم ربك (وأجيب) عن إيراد هذا القول (ب) جوابين أحدهما : وهو لصاحب الكشاف (أن الأهم فيه) أى فى ذلك القول (القراءة) وإنما كانت القراءة أهم ؛ لأن هذه الآية أول آية نزلت من سورة ابتداء ، كما أن أول سورة نزلت تامة الفاتحة ، وأول آية نزلت بعد فترة الوحى (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)(٢) هذا حاصل ما تقرر فى الاختلاف فى أول ما نزل ، بحيث كان أول آية نزلت كان الأهم فيها الأمر بالقراءة ؛ لأن بها عادة حفظ المقروء الذى هو المقصود من الإنزال ، ولو كان ذكر اسم الرب أهم لذاته ؛ لأن تأخيره لا يفيت
__________________
(١) العلق : ١.
(٢) المدثر : ١.