المقام فى الباقى مقام الرعاية ، وكان عدم الرعاية خروجا عما يناسب المقام الذى أورد فيه ذلك البعض بعد إيراده ، وعلى هذا يكون المراد بالمقام ما هو أعم من مقام مراعاة صفة الكلام ، ومقام اقتضاء إيراده تأمل.
وقيل إن الحذف هنا لترك مواجهة النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بإيقاع لفظ القلى على ضميره ، ولو كان منفيا واستبعد من جهة إيقاع ودع على ضميره ، والحق أن لفظ ودع ليس كلفظ قلى فتدبر.
(وإما لاستهجان) أى استقباح (ذكره) أى : ذكر المفعول (كقول) السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها (كنت أغتسل أنا ورسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من إناء واحد فما رأيت منه ولا رأى منى) (١) أى : ما رأيت منه (العورة) ولا رآها منى ، ولا يخفى استثقال المتمشدق بذكر العورة ، والاستهجان هنا ، فلو مثل بغيره كان أحسن. على أنه يجوز أن يراد : ما رأيت منه شيئا من الجسد المستور ، ولا رآه منى ؛ مبالغة فى الاحتشام المانع من ملاحظة جهة كل منهما من الآخر صلّى الله وسلم على نبينا ، ورضى عن سيدتنا عائشة. وقيل : يحتمل أن يكون حذف المفعول هنا للمبالغة فى التستر اللفظى موافقة للتستر الحسى ، وهذا غير الاستهجان قطعا ؛ لأن الشيء قد يناسبه الستر من غير أن يكون فى ذكره استهجان (وإما لنكتة أخرى) أى : الحذف للمفعول إما لما تقدم ، وإما لنكتة أخرى غير ذلك كإخفائه على السامعين خوفا عليه ، أو منه كما يقال : الأمير يحب ويبغض عند قيام قرينة عند المخاطب دون بعض السامعين على أن المراد يحبنى ويبغض ذلك الحاضر ، فيقوله المتكلم خوفا على نفسه أن يؤذى حينئذ على نسبة محبة الأمير إليه ، أو خوفا من السامعين أن يؤذى منهم بنسبة بغض الأمير إليهم ، وكالتمكن من إنكاره إن مست الحاجة إلى الإنكار ، كما يقال لعن الله وأخزى ويراد (زيد) عند قيام القرينة عليه ؛ ليمكن الإنكار للمتكلم إن نسب إليه لعن زيد ، وطولب بموجبه ؛ لأن الإنكار مع القرينة المجردة أمكن من الإنكار عند التصريح ، وكتعينه كما يقال نحمد ونشكر أى : الله تعالى لتعين أنه هو المحمود أو ادعاء
__________________
(١) قولها : «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلىاللهعليهوسلم من إناء واحد» مخرج فى الصحيحين ، وأما قولها : «فما رأيت منه ولا أرى منى» فى سنده كذاب وضاع كما قال الشيخ الألبانى فى «آداب الزفاف» (٣٤) ، ومع كونه لا يصح فإنه يخالف الصحيح الذى قبله.