وخصوصه من تعيين ذاته المستفاد من قرينة أخرى غير الحذف ؛ فالعموم ليس إلا من ذاته قدر أو ذكر ؛ فالحذف لا يستفاد منه إلا مجرد الاختصار فلا يستفاد منه العموم الذى إنما يتحقق بتعيين المحذوف المستفاد من قرينة أخرى.
وأجيب بأن هذا إنما هو عند وجود قرينة تعين المحذوف كما لو ذكر كل أحد ثم قيل : لقد كان منك ما يؤلم ، وحذف كل أحد ؛ اتكالا على ذكرها فيكون عمومه مستفادا من ذاته المعينة بتلك القرينة ، وأما إذا لم تذكر قرينة تعينه ولا قرينة تخصصه ، وقد قام الدليل إن ثم محذوفا فحذفه بنفسه يتوصل به إلى تقديره عاما من حيث إن تقدير فرد مما يحتمل دون آخر ترجيح لأحد المتساويين على الآخر ، فصح أن الحذف قد يكون مفيدا للتعميم مع الاختصار لا لمجرد الاختصار دائما ، ولا يقال : التعميم المستفاد من الحذف على هذا مستفاد بدون الحذف أصلا ؛ لأن مأخذه وهو الفرار من التحكم اللازم على تقدير عدم عمومه تقدم أنه يفيد العموم فى المقام الخطابى مع جعل الفعل لازما ؛ لأنا نقول النكتة لا يلزم انعكاس موجبها فتستفاد عند الحذف وعدمه ، وعلى أن استفادتها عند تقدير الفعل لازما بالنظر إلى مجرد الفعل والعموم فى المفعول فيه لزومى ، وعند تقديره متعديا يجئ العموم من ذلك المقدر الذى اقتضى الحذف تقديره عاما ، وفرق بين الاعتبارين ، ولو كان المآل واحدا.
(وإما للرعاية على الفاصلة) أى : حذف المفعول إما لما تقدم ، وإما للرعاية على الفاصلة ، وهى فى النثر : ما أتى به من الكلام ليقابل مثله ، فإن التزم فيه الختم بحرف فهو سجعة ، وذلك (نحو) قوله تعالى : (وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(١) ولم يقل وما قلاك رعاية لختم هذه الفاصلة بالألف كما قبلها وما بعدها ، وعدى الرعاية بعلى ؛ لتضمينها معنى المحافظة.
وأورد هنا أن رعاية الفواصل من البديع فليس من الاعتبار المناسب حتى يكون من المعانى ، فذكره هنا تطفل ، وقد يجاب بأن دم اعتبار توافق الفواصل كان الأصل جوازه ؛ لأن اعتبار التوافق من البديع ، لكن لما أورد بعض الفواصل بحرف واحد كان
__________________
(١) الضحى : ١ ـ ٣.