فى الآية موجود حقيقة (وإما لمجرد الاختصار) أى : يكون الحذف إما لما تقدم ، وإما لمجرد الاختصار من غير مراعاة فائدة أخرى من عموم فى المفعول ، أو خصوص فيه أو غير ذلك ، ووجد بعد هذا فى بعض النسخ (عند قيام قرينة) وهو معلوم مما سبق ، وهو أن النكتة فى الكلام لا تكون إلا بدليل دل على تلك النكتة بخصوصها ، وإلا كان إفادة الكلام إياها ادعائية فهو تذكرة لما تقدم ، فعلى هذا يكون ما يقال من أن المراد أن الحذف يكون عند قيام قرينة دالة على أن الحذف لمجرد الاختصار ليس بسديد ؛ لأن هذا القول يشعر بأن النكتة الموجودة فى الكلام لم تعلم من تتبع ما سبق أنه لا بد فيها من دليل يدل على خصوصها ، وهو فاسد كما قررنا ثم لو سلم أن المفهوم مما تقدم هو مجرد وجود النكتة فى الكلام من غير دليل على خصوصها ، فلا تختص الحاجة إلى التنبيه على ذلك بالحذف ، بل يجب حينئذ ذكر ذلك فى جميعها ، والحذف للاختصار (نحو) قول القائل (أصغيت إليه أى) أملت إليه (أذنى) ؛ لأن الإصغاء مخصوص بالأذن (وعليه) أى : وعلى الحذف لمجرد الاختصار ورد قوله تعالى حكاية عن موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(١) أرنى (ذاتك) فإن قلت : أرنى من أراه كذا أى : جعله يراه فكأنه قال : اجعلنى أرى ذاتك أنظر إليك ، وهذا بظاهره يحقق التداخل فى الكلام ، ويمنع ترتب أنظر على أرنى : قلت : بل عبر بالإراءة عن مجرد الكشف للحجاب عن الرائى ؛ لأن الرؤية متسببة عنه فيترتب عليه قوله : أنظر إليك ، فكأنه قال : رب اكشف الحجاب عن ذاتك بكشفه عنى ؛ لأنى هو المحجوب حقيقة أنظر إليك ، ولما عبر بالإراءة عن الكشف تعدت بنفسها ؛ لأن الفعل يجوز أن يتعدى بنفسه ولو كان عبارة عن المتعدى بالآلة فافهم.
وأورد ههنا بحث ، وهو أن الحذف لا يقتضى بمجرده تعميما ولا تخصيصا ؛ لأن المحذوف يجوز أن يكون خاصا وعاما ، فلا يقتضى الحذف عمومه ، ولا خصوصه ، وإلا لم يوجد مع الآخر فإذا صح وجود الحذف مع العموم والخصوص ولا يتعين به أحدهما فلا بد من قرينة أخرى تدل على تعين المحذوف ، فإذا عين كان عاما أو خاصا ؛ فعمومه
__________________
(١) الأعراف : ١٤٣.