الضمير عليه من الثانى فلما أن أخر وأعمل فيه الثانى صار كالمحذوف حكما فحذف ضميره ، وقد وقع عكس هذا البيت وهو إهمال الثانى وإعمال الأول لنفس هذه العناية لبعض الشعراء فى قوله :
ولم أمدح لأرضيه بشعرى |
لئيما أن يكون أفاد مالا (١) |
كره تسليط لفظ أرضيه على لفظ اللئيم ، واعتنى بإيقاع نفى المدح على لفظه ؛ لأن ذلك أشد فى إهماله ، وتحقق لآمته بنفى مدحه فأعمل الأول وأهمل الثانى (ويجوز أن يكون السبب) أى : سبب حذف مفعول طلبنا فى البيت (ترك مواجهة الممدوح بطلب مثل له) تعظيما له أن يكون له مثل ، وذلك لأن الطلب بالفعل إنما يكون فيما يمكن وجوده فإذا وجد بطلب المثل كان فى الكلام إقرار بأن له مثلا ؛ لأن العاقل لا يطلب المحال ، والغرض الذى يناسب المبالغة فى المدح إحالة المثل بترك التصريح بطلبه المشعر بإمكان وجوده ، وإنما قيدنا الطلب بالفعل الذى هو المراد هنا ؛ لأن الطلب القلبى يكون مع التمنى الذى يتعلق بالمحال بخلاف الطلب الحقيقى ، فهو يشعر بالإمكان والغرض الإحالة (وإما للتعميم) أى : الحذف إما لما تقدم ، وإما للتعميم فى المفعول المحذوف (مع الاختصار) وذلك (كقوله : قد كان منك ما يؤلم أى : (ما يوجع (كل أحد) وذلك عند كون المقام مقام المبالغة فى الوصف بالإيلام فيكون ذلك المقام قرينة على إرادة العموم فى ذلك المفعول كما قدر ؛ لأنه ليس المراد ما يؤلمنى أو يؤلم بعض الناس أو نحو ذلك ، وهذا التعميم معلوم أنه يوجد بذكر المفعول عاما لكن يفوت مع الذكر الاختصار الموجود فى الحذف (وعليه) أى : وعلى ما ذكر وهو حذف المفعول للاختصار مع العموم ورد قوله تبارك وتعالى (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ)(٢) أى : يدعو جميع عباده لما علم أن الدعوة بالتكليف عمت جميع العباد ، وإنما المخصوص الهداية كما قال تعالى : (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فالتعميم فى المثال الأول موجود مبالغة للعلم بأن إيلام كل أحد محال عادة على وجه الحقيقة ، والتعميم
__________________
(١) البيت لذى الرمة في الإيضاح ١١٣ بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى وفى شرح المرشدى على عقود الجمان ١٢٨.
(٢) يونس : ٢٥.