(والمشهور) عند علماء البيان خلاف مذهب السكاكى ، وهو (أن الالتفات) عندهم (هو التعبير عن معنى) من المعانى (بطريق من) الطرق (الثلاثة) وهى التكلم ، والخطاب ، والغيبة (بعد التعبير عنه) أى : الالتفات هو التعبير عن معنى بعد التعبير عن ذلك المعنى نفسه (ب) طريق (آخر منها) أى : من تلك الطرق الثلاثة كأن يعبر عنه أولا بالغيبة ، ثم يعبر عنه ثانيا بالخطاب كما يأتى فى الأمثلة ، ولكن لا يكفى فى تحقق الالتفات مجرد تعبير مخالف لتعبير آخر عن المعنى ؛ لأن ذلك قد يكون على حسب ما يناسب سوق الكلام ، فلا يكون من الالتفات فى شيء ، بل لا بد بعد مخالفة التعبير الثانى للأول مع اتحاد المعنى من كون الثانى جاريا على خلاف ظاهر سوق الكلام بأن يكون على خلاف ما يرتقبه السامع ، فيخرج عن معنى الالتفات ما جرى على ظاهر ما ينبغى فى سوق الكلام مثل قول القائل : أنا زيد وأنت عمرو ؛ فإن الإخبار بالظاهر ، ولو كان من قبيل الغيبة عن ضمير التكلم ، أو الخطاب جار على ظاهر ما يستعمل فى الكلام ، فلم يجر على خلاف ما يرتقبه السامع لصحة الإخبار بالظاهر عن المضمر مطلقا ، فلا يكون من الالتفات ، ولو صدق عليه أن التعبير الثانى صادق على معنى عبر عنه بطريق آخر قبله ، ولكن فى الحاجة إلى زيادة قيد كونه على خلاف ظاهر سوق الكلام لإخراج هذا المثال نظر ، كما قيل لأن المراد بالمحمول المفهوم بالموضوع المصدوق ، فلم يعبر بالثانى فى هذه القضية عن نفس ما عبر عنه بالأول فلم يصدق عليه حد الالتفات حتى يحتاج لإخراجه بالقيد ، وكأن المقيد ينظر إلى اتحاد المصدوق ، وكذا يخرج عن معنى الالتفات نحو قوله (١) : اللذون صبحوا الصباحا ؛ فإن إعادة الضمير من الصلة على الموصول ، لكونه اسما ظاهرا الأصل فيه أن يكون بطريق الغيبة ، ولو عبر عن مصدوقه أولا بطريق التكلم ، وهذا هو المقرر فى قواعد النحو ، ولهذا كان قول القائل إن فى مثل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا*) التفاتا وإن الأصل يأيها الذين آمنتم سهوا بينا ؛ لأن كون المقام للتكلم بعد النداء كما فى قول القائل : يا زيد قم ، إنما هو فى غير الصلة التى يتم بها الموصول ؛ لأن ما يعود من الصلة إلى الموصول كما تقدم من باب الغيبة ، ويخرج ـ
__________________
(١) الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٢ ولليلى الأخيلية في ديوانها ص ٦١.