المعنى الأول فى الإطلاق غير محتاج إليه بعد قوله غير مختص بالمسند إليه ، ولكن إنما لا يحتاج إليه بالنسبة إلى نقل الكلام عن الحكاية إلى الغيبة ، ولا يقال كلام السكاكى ليس فيه التصريح بهذا الإطلاق ، فكيف حكاه المصنف عنه ؛ لأنه علم من مذهبه اعتبار معناه ، فصح نسبته إليه (ويسمى هذا النقل) بجميع أقسامه (عند علماء المعانى التفاتا) أخذا من التفات الإنسان يمينا وشمالا وبالعكس ، فإن قلت لأى وجه خصص تسميته بعلماء المعانى مع أن عد الالتفات من البديع أقرب ؛ لأن حاصل ما فيه على ما يأتى أنه يفيد الكلام ظرافة ، وحسن تطرية ، فيصغى إليه لظرافته وابتداعه ، ولا يكون الكلام به مطابقا لمقتضى الحال ، فلا يكون من علم المعانى فضلا عن كونه يختص بهم فيسمونه به دون أهل البديع قلت : أما كونه من الأحوال التى تذكر فى علم المعانى فصحيح ، كما إذا اقتضى المقام فائدته من طلب مزيد الإصغاء لكون الكلام سؤالا ، أو مدحا ، أو إقامة حجة ، أو غير ذلك ، فهو من هذا الوجه من علم المعانى ، ومن جهة كونه شيئا ظريفا مستبدعا يكون من علم البديع ، وكثيرا ما يوجد فى المعانى مثل هذا فليفهم.
وأما تخصيص علماء المعانى بالتسمية فلا حجر فيه ـ والله أعلم وذلك (كقوله) يعنى امرئ القيس (١) (تطاول ليلك) بفتح الكاف خطابا لنفسه ومقتضى الظاهر ليلي ؛ لأن المقام للتكلم ، فعدل عنه إلى الخطاب ، وقد تقدم أن من الالتفات عند السكاكي أن يكون المقام لأحد الطرق الثلاثة فيعدل عنه إلى غيره ولو لم يقدم التعبير بغير المذكور ، فهذا الشاهد يطابق مذهب السكاكى ، وقوله (بالأثمد) بفتح الهمزة ، وضم الميم اسم مكان وتمامه : ونام الخلى ولم ترقد. ولا شك أن ما ذهب إليه السكاكى من عدم اشتراط تقدم تعبير آخر يتحقق فيه معنى الالتفات من جهة المتكلم ؛ لأنه التفت من مقتضى المقام إلى غيره لكن الفائدة المذكورة على وجه العموم للالتفات ، وهى أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى غيره كان أكثر إيقاظا للإصغاء إليه لا يظهر فيما إذا لم يتقدم تعبير آخر ، فإن التعبير الأول يرد غالبا قبل ارتقاب ما يصلح للمقام ، فلا يتحقق تجديد ما لا يرتقب فليتأمل.
__________________
(١) البيت لامرئ القيس في ديوانه ص ٣٤٤ وفي المصباح ص ٣٥ وشرح المرشدى ١ / ٩٣.