أيضا ـ عن معنى الالتفات قوله تعالى (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(١) و(اهْدِنَا) و(أَنْعَمْتَ ؛) لأنه وقع الالتفات قبله فى قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فجرى ما بعده على ما يرتقبه السامع ، لكونه على أسلوب ما قبله وبحث هذا ـ أيضا ـ بأن البعدية إن حملت على الاتصالية لم يحتج إلى هذا القيد ؛ لإخراج ما ذكر ؛ لأن الموجود فيه بعدية الانفصال ، فلا يصدق عليه بهذا الاعتبار أنه عبر عن معنى بعد التعبير عنه بمعنى آخر ؛ لأن البعدية الأصل فيها الاتصال ، ولم يوجد ولا يخفى ضعف هذا البحث ، وقولنا فى هذا القيد خلاف ظاهر سوق الكلام إشارة إلى أن التعبير الثانى يكون التفاتا متى خالف ما يرتقبه السامع ، ولو كان موافقا لأصل ظاهر المقام كما فى قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)(٢) فإنه خطاب موافق لأصل ظاهر المقام الذى هو مقام الخطاب ، لكنه مخالف لظاهر الكلام ؛ لأنه عبر عنه أولا بالغيبة فى قوله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى)(٣) على خلاف مقتضى الحال فناسب إجراؤه على مقتضى الغيبة فالتعبير بالخطاب المناسب للمقام بالأصالة التفات ؛ لأنه مخالف لظاهر سوق الكلام وذلك ظاهر ، والسر فى العدول عن الخطاب إلى الغيبة أولا تعظيم النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما فيه من التلطف فى مقام العتاب بالعدول عن المواجهة فى الخطاب (وهذا) التفسير الجارى على مذهب الجمهور للالتفات (أخص) من تفسير السكاكى له لأنهم شرطوا تقدم التعبير وهو لم يشترط كما يفيده ما تقدم إلا اقتضاء الظاهر لخلافه ، فيصدق عنده بالتعبير الواحد حيث يكون مقتضى الظاهر خلافه ، كما فى قوله طحا بك قلب ولا يصدق عند الجمهور إلا فى التعبيرين فكل التفات عندهم التفات عند السكاكى ولا ينعكس إلا جزئيا ، وهو ظاهر ثم شرع فى أمثلة الأقسام الستة المتصورة فى الانتقال من أحد الطرق الثلاثة إلى الطريقين المغايرين له وبدأ بمثالى النقل من التكلم إلى غيره ثم بمثالى النقل من الخطاب إلى غيره ثم بمثالى النقل من الغيبة إلى غيره على حسب ما تقتضيه
__________________
(١) الفاتحة : ٥.
(٢) عبس : ٣.
(٣) عبس : ١ : ٢.