كون الجاهل مرزوقا ، والعاقل محروما ، واختصاص المسند إليه به كونه عبارة عنه ، فهو تعسف ؛ لأنه كاختصاص الشيء بنفسه ، والمتبادر من الحكم خلافه ، ولذلك جزم بأن الحكم البديع هو ترك الأوهام حائرة وتصييره العالم النحرير زنديقا ، أما كون المشار إليه بترك الأوهام حائرة فهو ظاهر ، وتحيرها فى عظمة الصانع الحكيم ، وخفاء حكمته عن العقول حتى لم ينفع فى استفادة أرزاقه عقل لبيب ، ولا حيلة أريب ، ولا أدرك الغواص فى فهم الحكم التفريق بين الخلائق بوجد بعيد ، ولا قريب ، وأما تصييره العالم النحرير زنديقا لما ذكر ، فالأمر ، ولو حصل التوفيق بالعكس ، فإن كون العالم محروما ، والجاهل مرزوقا مما يدل على وجود الصانع العدل الحكيم ، وأنه لا ينفع العقل فى أمره ، ولا يضر الجهل فى فضله ، فتسمية هذا القائل العالم الزنديق نحريرا غلط فى حكمه ، وحيد فى علمه ، والله الموفق بمنه وكرمه إذ لا ينفى النحرير الحكمة عن الصانع بما ذكر ، وإنما يتصور النفى من الناظر فى بادئ الشبهة على ما قررنا أولا ، ولا يكون حينئذ نحريرا ، والحاصل أنه مما يدل على ثبوت الصانع ما ذكر ومن أثبته يثبته حكيما تأمل.
وإنما أفاد اسم الإشارة ما ذكر ؛ لأن الإشارة به فى الأصل إلى محسوس ففى التعبير به عنه إظهاره فى صورة المحسوس ، فكأنه يقول هذا المتعين الذى صار كالمحسوس يشار إليه هو المختص بهذا الحكم البديع فليفهم.
(أو التهكم) هو معطوف على كمال العناية (بالسامع) أى : يكون وضع اسم الإشارة موضع المضمر لكمال العناية والتهكم بالسامع (كما إذا كان) السامع (فاقد البصر) ، فيقال له مثلا استهزاء به ، وتهكما بأمره عند قوله مثلا من ضربنى هذا ضاربك مكان هو زيد مثلا ؛ لأن المقام مقام الضمير لتقدم معاده لما تقدم السؤال ، وسواء كان ثم مشار إليه حسا ، أو لم يكن أصلا ، فيقال له ذلك مشيرا للخلاء مثلا ، وإنما قلنا معطوف على كمال العناية ، لئلا يتوهم عطفه على قوله لاختصاصه ، فيتوهم أن التهكم علة لكمال العناية ، وأنه متى أريد التهكم فلا بد من كمال العناية ، كما اقتضاه كلام المفتاح إذ من المعلوم أن التهكم يحصل اسم الإشارة من غير شرط كمال العناية ، ولو كان يزداد التهكم بازدياد كمال العناية بتمييزه أكمل تمييز ، ولا يضر فى