ثم أشار إلى عكس ما تقدم فقال : (وقد يعكس) ما تقدم ، وهو وضع المضمر موضع المظهر وعكسه هو أن يوضع المظهر موضع المضمر (فإن كان) ذلك المظهر الذى وضع موضع المضمر (اسم إشارة) ، فيكون وضعه موضع المضمر (لكمال العناية بتمييزه) أى : يكون اسم إشارة ؛ لأن المتكلم فى غاية الاعتناء بتمييز المسند إليه ، واسم الإشارة يفيد ذلك التمييز ، وإنما كان المتكلم فى غاية الاعتناء بتمييزه (لاختصاصه) أى : المسند إليه (بحكم بديع) أى : عجيب فيقتضى الحال تمييزه ؛ لأن السليقة السليمة تتسارع إلى تمييز العجيب الحكم ، فيكون الجواب بذلك مناسبا للإراحة من التشوق إليه ما هو وذلك (كقوله) أى : ابن الراوندى (كم عاقل عاقل) ووصف العاقل بالعاقل ؛ ليفيد كماله ، فإن تكرار اللفظ لقصد الوصفية يفيد ذلك ، ولو فى الجوامد كما يقال مررت برجل رجل أى : كامل فى الرجولية (أعيت مذاهبه) أى : أعيته طرق معاشه فلا ينال منها إلا قليلا أو أعيت عليه مذاهبه ، فلا تأتيه بخير ، فأعيت يستعمل متعديا ولازما (و) كم (جاهل جاهل تلقاه مرزوقا) الوصف الثانى للكمال ، كما تقدم ، وكم فيهما للتكثير ، ولما كان هذا الحكم ، وهو وجدان كامل العقل محروما ، وكامل الجهل مرزوقا مختصا بحكم بديع عبر عنه باسم الإشارة لكمال العناية بتمييزه ، ولو كان المقام مقام التعبير عنه بالضمير لتقدمه فقال (هذا) الحكم السابق ، وهو وجدان العاقل محروما ، والجاهل مرزوقا هو (الذى ترك الأوهام) أى : العقول ، وعبر عنها بالأوهام ؛ لأن تحير العقل من غلبة القضايا الوهمية عليه (حائرة) إذ لم تفهم السر فى ذلك ؛ لأن مقتضى المناسبة إدراك ذى التدبير ، والعقل المراد دون العكس (و) هذا الذى (صير العالم النحرير) أى : المتقن للعلوم من نحر العلوم أتقنها ، وعبر عن الإتقان بالنحر الذى فيه إزهاق النفس ، وتطهير المنحور من الفضلات ؛ لأن اتقان العلم فيه التطهير من الشكوك والشبهات (زنديقا) أى : كافرا نافيا للصانع العدل الحكيم قائلا ذلك العالم لو وجد كان من حكمته رزق العاقل لما يترتب على رزقه من المصالح دون الجاهل ، فالحكم البديع الذى اختص به المشار إليه ، وهو كون العاقل محروما ، والجاهل مرزوقا وهو تركه الأوهام حائرة وتصييره العالم النحرير زنديقا ، وأما حمله على أن الحكم البديع هو