يقتضى جواز الخلف فى الظن ، ويقضى ذلك إلى جواز الخلف فى الأخبار الظنية ، والصواب التنزيه للمقام الأعظم عن كل ذلك ، فالوجه الجواب الأول ، وقد أجيب بغير هذا مما هو مذكور فى محله (وعليه) أى : وعلى إفادة التقديم عموم النفى (قوله) أى أبى النجم :
(قد أصبحت أم الخيار تدعى |
عليّ ذنبا كله لم أصنع) (١) |
فقوله كله مرفوع بالابتداء ، وعدل عن نصبه بقوله لم أصنع ليخرج عن حيز النفى ، فيفيد عموم السلب. فمعناه لم أصنع شيئا مما تدعيه علي أم الخيار ، وليس المراد قطعا نفى بعض الذنب ، وإثبات البعض وأبو النجم عربى فصيح يستدل باستعماله ، ولكن يرد كما قيل على هذا أن عدوله إلى الرفع لا يتعين أن يكون لكونه هو المفيد لعموم السلب فقط ؛ بل يجوز أن يكون عدوله إلى الرفع لعدم صحة نصب كل مضافة للضمير إلا ، وهى تأكيد إذ لا يقال رأيت كلكم على الصحيح ، وعلى هذا يجوز أن يكون النصب مفيد للعموم كالرفع وإنما عدل عنه لما ذكر فليتأمل.
تأخير المسند إليه
(وأما تأخيره) أى : المسند إليه (فلاقتضاء المقام تقديم المسند) وسيأتى إن شاء الله تعالى بيان ما يقتضى تقديم المسند ، فيلزم تأخير المسند إليه ، وفى هذا إشعار بأن التأخير ليس من مقتضى الحال ؛ بل هو لازم مقتضاه ، وعليه ينبغى أن لا يتعرض له فى مقام عد مقتضيات الأحوال والخطب سهل.
إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر
(هذا) يحتمل ، وهو الأظهر أن يكون إشارة إلى ما تقدم من الذكر والحذف والإضمار وغير ذلك من مقتضيات الأحوال ، ويكون قوله (كله) تأكيدا ، وقوله (مقتضى الظاهر) خبره ، ويحتمل أن يكون على تقدير أى : الأمر هذا ، ويكون قوله كله مبتدأ ومقتضى الظاهر خبره وعلى كل حال فإفراد اسم الإشارة خلاف مقتضى الظاهر ؛ لأن المتقدم متعدد ، والعدول عن صيغة البعد وهى ذاك إلى صيغة القرب ، وهو
__________________
(١) البيت لأبي النجم في المصباح ص ١٤٤ ، وأسرار البلاغة ٢ / ٢٦٠.