السلب لم يطابق ما فى نفس الأمر ، وهذا الإشكال لا يرد على مذهب من يجوز الخلف فى القول الذى ليس من باب إبلاغ الوحى ، وهو مذهب غير مرضى ، وأما على مذهب من لا يجوز الخلف فى القول ، ولو سهوا ، فقد أجيب بأن النسيان المنفى بهذه الكلية هو النسيان الذى نفاه عن نفسه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى غير هذا الموطن ، حيث قال «إنى لا أنسى ولكن أنسى لأسن» (١) أى : ليس من طبعى النسيان كما كان من طبع من لا يتحافظ بشغل الفكر بأمور الدنيا ، ولكن أنسى بشغل الفكر بالله تعالى ؛ لأسن فالكلام حينئذ صدق ، والنسيان المنفى هو الذى دل عليه ظاهر كلام السائل ، وهو النسيان المعتاد الحاصل بشغل القلب بأمور الدنيا ، أو المنفى لفظ النسيان تأدبا ، والمثبت بقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أحق ما يقول السائل هو الممكن ثبوته الذى لا ينافيه كلام السائل ، وهو النسيان الطبيعى المعتاد أو المنفى لفظ النسيان تأدبا ، فكأنه على هذا يقول لم يقع منى ما هو ظاهر لفظك من النسيان الطبيعى الدنيوى ، أو من لفظ النسيان المنافى للأدب وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أحق ما يقول ذو اليدين رجوع للحقيقة ، وهو وجود مطلق النسيان الذى يكون بالتنسية الصحيحة فى حقه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أو رجوع إلى المعنى وترك سوء الأدب اللفظى المنهى عنه ليترتب على المعنى ما شرع فيه ، ونسب المرجوع إليه إلى ذى اليدين ؛ لأن لفظه ، ولو نهى عن ظاهره يقبل حمله على المراد بأن يكون التقدير ، أم نسيت بالتنسية ، فيكون قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كل ذلك لم يقع زجرا عن الظاهر ، وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أحق ما يقول رجوع للمعنى الممكن وجوده فى النفس الأمر الذى لا ينافيه كلام السائل كل المنافاة بحسب الباطن ، والتأويل فتأمله.
وأجيب أيضا بأن نفى النسيان باعتبار الاعتقاد أى : فى ظنى لا نسيان ، ولا قصر فطابق الظن فى القصر دون النسيان ، وهذا ولو نفى الخلف فى القول ، ولكن
__________________
(١) ذكره مالك فى «الموطأ» (١ / ١٢١ ـ تنوير الحوالك) بلاغا ، وقال ابن عبد البر : «لا أعلم هذا الحديث روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم مسندا ولا مقطوعا من غير هذا الوجه ، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى فى الموطأ التى لا توجد فى غيره مسندة ولا مرسلة ، ومعناه صحيح» .