بتقدير الوصف ليصير التخصيص نوعيا ، ويكفى فى صحة الابتداء بمثله يتصور فى تخصيص الجنس ، والواحد كما تقدم ، فيكفى ذلك عن ارتكاب ذلك الوجه البعيد فى المنكر ، ثم إن ارتكاب التخصيص بالوجه المذكور إن لم يحمل عليه إلا التوصل للابتداء بالنكرة ، فمعلوم بالضرورة إمكانه بوجود فائدة ما ، ولو لم تكن من طريق التخصيص أصلا ، ومع ذلك فالتخصيص اعتبار زائد على أصل المراد يجب فى مقامه بعد صحة الابتداء الذى هو أصل المراد ، وعلى تقدير تسليم كون المقام قد يقتضى ابتداء بالنكرة مفتقرا إلى وسيلة بالخصوص ، فهو أمر جزئى لا تجب رعايته دائما ، ومع ذلك فمطلق الخصوص يحصل بلا تقدير التقديم كما ذكرنا ، ثم ليت شعرى لو افتقر إلى الابتداء بالنكرة مع حصر الوسيلة إليه فى التخصيص الحصرى فلأى شيء أوقف على تقدير التقديم عن الفاعلية المعنوية حتى يرتكب فيه ما ذكر ؛ فإن من جملة ما يحصل به تقدير العطف ، ولذلك كان من العجائب أن السكاكى ارتكب ذلك الوجه البعيد للابتداء بالنكرة ، وأعجب من هذا أن بعضهم بعد تصريح السكاكى بما يؤخذ من كلامه أن لا سبب للتخصيص سوى تقدير التقديم والتخصيص يفتقر إليه للابتداء بالنكرة يفهم مذهب السكاكى فى نحو رجل جاءنى على أن رجلا بدل مقدم لا مبتدأ ، وأن الجملة فعلية قدم فيها البدل ويتمسك فى ذلك بإشارات بعيدة على ما ذكر من كلام السكاكى ، وبما وقع من السهو لشارح المفتاح فى نظير هذا من الكلام الذى تقدم فيه المعرف مخبرا عنه بالفعل كزيد قام وعمرو قعد فإنه فيه احتمال كون زيد وعمرو بدلا مقدما ، والمبدل منه ضمير مستتر فى الفعل ، كما أبدل من واو وأسروا النجوى ، ولم يلتفت ذلك الفاهم لهذا الخطأ إلى تصريح النحويين بمنع تقديم التابع مادام تابعا ، ولا التفت إلى تصريح الشارح المذكور بنقيض ما طرق من الاحتمال ، حيث قال : تقديم التابع منسوخ التبعية يمكن ، كما فى جرد قطيفة ، وتقديم الفاعل منسوخا لا يجوز ، كما لا يجوز بلا نسخ ، وأما تقديم التابع وهو على حاله فلا يجوز قطعا لاستحالة تقديم التابع من حيث هو تابع على متبوعه يعنى لأن الغرض حينئذ كونه تابعا وتقديمه يزيل التبعية ،