الاستعمال وهو الذى فيه عموم لا خصوص فإذا كان اللفظ قد يستعمل عرفا فى معنى جاز أن يوصف بوصف لبيان أن المراد منه غير ما يراد به عرفا من مخصوص فيفيد أن المعنى عام فلا يكون هذا الكلام تكرارا مع ما تقدم وذلك كقوله تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)(١) فإن النكرة فى سياق النفى للعموم ، لكن العموم ربما يكون عرفيا فيختص بما يراد به عرفا فلو لم يوصف الطائر والدابة بوصفى جنسيهما فلربما فهم أن المراد الدابة والطائر البلديين العرفيين ؛ لأن عموم العرف بحسب ما يتفاهم فيه ، وهو ما يجرى فى البلد والزمان فلما وصف كل منهما بوصف جنسه أفاد فى الأول أن المراد بالدابة جنس الدابة لوصفها بوصف الجنس الذى هو الكون على الأرض عرفية كانت أو غيرها وأفاد الثانى أن المراد بالطائر جنس الطائر لوصفه بوصف الجنس الذى هو مطلق الطيران بالجناح متعارفا كان أو لا ولهذا أفاد الوصف فيهما مزيد عموم فليفهم ليتبين الفرق بين هذا وبين ما تقدم.
توكيد المسند إليه وأغراض ذلك
(وأما توكيده فللتقرير) أى : توكيد المسند إليه يكون لأغراض منها التقرير للمسند إليه إذا اقتضى المقام ذلك ومعنى تقريره جعله فى ذهن السامع مقررا ، وذلك حيث يخاف المتكلم أن يكون السامع غافلا عن سماعه أولا فيكرره ليسمعه ثانيا فيتقرر ويبلغ الحكم إلى السامع كما أريد ، وكذلك حيث يخاف بعد سماعه أن يحمله على غير معناه غلطا أو تجوزا فيقال مثلا : جاءنى زيد زيد ، دفعا لأحد المحذورين ، والثانى منهما ولو كان يستلزمه دفع توهم التجوز لكن قد يكون الذى خطر فى بال المتكلم ورآه مناسبا للمقدم تحقق معنى المسند إليه بدفع ما ينافيه فى الجملة وقد يكون نفس دفع توهم المجاز ؛ لأنه هو الذى اتخذ منه حذره بالخصوص ، وأما حمل التقرير على تقرير الحكم كما فى نحو : أنا عرفت فإن المسند إليه ذكر أولا وثانيا فأسند الفعل إليه مبتدأ وإليه فاعلا فجاء فيه تأكيد الحكم وتقريره للإسناد مرتين على ما سيجيء فلا يصح فى هذا المقام ؛ لأن المراد التأكيد الاصطلاحى والتأكيد الاصطلاحى لا يفيد الإسناد مرتين
__________________
(١) الأنعام : ٣٨.