تعقيدا لفظيا ، وذلك (كقول الفرزدق فى) مدح (خال هشام) بن عبد الملك أحد ملوك بنى أمية ، وخاله الممدوح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومى.
(وما مثله فى الناس إلا مملكا |
أبو أمه حى ، أبوه يقاربه) (١) |
أى لم يوجد لهذا الممدوح مثل ، هو (حى يقاربه) أى أحد يشبهه فى الفضائل كائن ذلك الحى المقارب فى الناس (إلا) رجلا (مملكا) أى أعطى الملك وهو هشام المذكور (أبو أمه) أى : أبو أم ذلك المملك هو (أبوه) أى : أبو هذا الممدوح وإنما أخبر بأن أبا الممدوح أبو أم المملك ؛ لأن كونه حالك المملك مما يزيد فى مدحه ، وحاصله : الإخبار بأن الممدوح لا مثل له فى الناس إلا ابن أخته الذى هو المملك ، وإنما أبدل من المثل حى يقاربه إيماء إلى أن المنفى مقاربه فى المماثلة ، لا المماثلة فى نفسها.
ففى هذا الكلام من التعقيد ما لا يخفى بسبب الفصل بين المبتدأ والخبر وهو «أبو أمه أبوه» بالأجنبي وهو «حى» والفصل بين الموصوف وهو «حى» والصفة وهى جملة «يقاربه» بأجنبى وهو «أبوه» والفصل الكثير بين البدل وهو «حى» بين المبدل منه وهو «مثله» وفيه أيضا تقديم المستثنى وهو «مملكا» على المستثنى منه وهو «حى» لأنه ولو كان جائزا خلاف المطبوع فهو مما يزداد به التعقيد القابل للشدة والضعف ، فقوله : «مثله» اسم ما ، وخبره «فى الناس» و «حى» بدل من اسمها ، ولا يصح غيره دون قلق يظهر ذلك بالتأمل.
ولما كانت صعوبة الفهم هى مناط التعقيد ، جاز حصوله بمجموع أشياء كلها جائزة ، لكن لكونها غير مطبوعة ـ كتقديم المستثنى وتقديم المفعول وتأخير المبتدأ مثلا إذا أجتمعت ـ أوجبت تلك الصعوبة ، فعلم من هذا أنه لا يستغنى عن التعقيد اللفظى بذكر ضعف التأليف لجواز حصوله بأشياء كلها جارية على القانون ، إلا أنها خلاف المطبوع السهل ، كما لا يستغنى بالتعقيد عن الضعف لجواز حصوله بدون التعقيد ، كقولنا : زيد أحسن من غيره بتنوين أحسن فما يقال من الاستغناء بأحدهما عن الآخر غير صحيح ،
__________________
(١) البيت للفرزدق في مدح خال هشام بن عبد الملك بن مروان ، وهو في الإيضاح ص ١٥ ، دلائل الإعجاز ص ٨٣ ، وشرح عقود الجمان ١ / ١٤.