ولا يخفى ما فيه من التناهى فى الثقل ، وإما ثقلا أوجبه اجتماع بعض حروف كل كلمة مع حروف من الأخرى (و) ذلك (كقوله : كريم متى أمدحه أمدحه والورى) (١) أى الخلائق (معى) أى إذا مدحته ، مدحته والحال أن الورى معى ، وساعدنى الناس جميعا فيه لعموم إحسانه فيهم (وإذا ما لمته) وعبر باللوم في مقابلة المدح ـ مع أنه إنما يقابل بالذم ـ تأدبا مع الممدوح وللإيماء إلى أن ذمه إنما هو لوم وعتاب على نحو تفضيل الغير على اللائم ، وإلا فلا ذم (لمته وحدى) أى : إذا لمته لم أجد مساعدا ، وعبر بإذا التى تستعمل فى التحقيق إيهاما لوجود تحقق الدعوى ، وهو وجود اللوم مع عدم مساعد ، ولا شك أن تكرار أمدحه أوجب ثقلا من جهة تكرار الحاء والهاء ، وأما نفس اجتماع الحاء والهاء بدون تكرار فلا يوجب ثقلا يخل بالفصاحة ، فإنه قد وجد فى التنزيل المنزه عما يخل بالفصاحة كقوله تعالى (فَسَبِّحْهُ)(٢) وهذا المثال أحسن مما قبله فى التنافر ، فقول من أنشد هذا بين يديه : «أن فى تكرار أمدحه هجنه خارجة عن حد الاعتدال ومنافرة كلية ـ ليس المراد بذلك كونه فى نهاية عسر النطق ، بل زيادته على التنافر المغتفر لوجود ما هو أعسر منه كالبيت السابق (والتعقيد) منها : الذى هو هنا مصدر موافق للمبنى للمفعول ، أى : كون الكلام معقدا لا جعله معقدا الذى هو وصف الفاعل ، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا هو (أن لا يكون) الكلام (ظاهر الدلالة على) المعنى (المراد) للمتكلم ، فيلزم أن يكون المعنى غير ظاهر المدلولية عند السامع ، وعدم ظهور المراد من الكلام يكون (لخلل) حاصل (إما فى النظم) والتركيب لذلك الكلام ، بأن تكون ألفاظه على خلاف ترتيب المعانى بالتقديم والتأخير مثلا ، أو أنقص منها بالحذف الموجب للفساد ، أو غير ذلك مما يوجب صعوبة الفهم ، كالعطف على التوهم ، والجر بالمجاورة مثلا ، ويسمى التعقيد الذى أوجبه خلل تركيب اللفظ :
__________________
(١) صدر بيت ، وعجزه : «معى وإذا ما لمته لمته وحدى» ، أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ١٢٣ ، وعزاه إلى أبي تمام ، وهو كذلك في الإيضاح ص ١٥ بتحقيق د / عبد الحميد هنداوي.
(٢) ق : ٤ ، الطور : ٤٩.