ويستوفى الكلام عليها إذ ذاك في الباب الذي يلي هذا الباب إن شاء الله تعالى.
وأمّا التقرير ، نحو : «ألم أعط درهما» ، و «ألم يقم زيد» ، فإنّ العرب تجري ذلك مجرى النفي المحض ، فتقول : «نعم» ، إن أردت تصديق النفي ، و «بلى» إن أردت تكذيبه ، قال الله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالُوا بَلى)(١). قال ابن عباس : لو قالوا : «نعم» ، في الجواب لكفروا.
فإن قيل : فإنّ التقرير إيجاب في المعنى ، فهلا أجبت بما يجاب به الإيجاب؟ ألا ترى أنّ «ألم أعطك درهما»؟ بمنزلة قولك : «أعطيتك درهما». فالجواب : إنّ المقرّ قد يوافقه المقرر فيما يدعيه من أنّ ما قرره عليه كان ، وقد لا يوافقه. فلو قال في جواب من قال : «ألم أعطك درهما»؟ «نعم». لم تدر هل أراد : نعم لم تعطني ، فيكون مخالفا للمقرّر ، أو نعم أعطيتني ، على المعنى ، فيكون موافقا للمقرر. فلما كان ذلك يلتبس ، أجابوه على اللفظ ، ولم يلتفت للمعنى. فإن قيل : فقد جاء في التقرير «نعم» ، قال جحدر [من الوافر] :
٧٩١ ـ أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو |
|
وإيّانا فذاك بنا تداني |
نعم وترى الهلال كما أراه |
|
ويعلوها النهار كما علاني |
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٧٢.
٧٩١ ـ التخريج : البيتان لجحدر بن مالك في أمالي القالي ١ / ٨٢٢ ؛ والجنى الداني ص ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ٢٠١ ، ٢٠٢ ، ٢٠٤ ، ٢٠٦ ، ٢٠٩ ؛ وسمط اللآلي ص ٦١٧ ، ٩٦١ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٠٨ ؛ ومعجم البلدان ٢ / ٢٢٣ (حجر) ؛ وللمعلوط القريعي في الشعر والشعراء ١ / ٤٤٩ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٦١ ؛ ورصف المباني ص ٣٦٥.
اللغة : تداني : قرب من الدنو وأصله تدان.
المعنى : إن الشاعر يعتبر إتيان الليل عليه وعلى حبيبته أم عمرو وستره لهما بظلامه قربا بينهما ، ولو كان أحدهما بعيدا عن الآخر ، ورؤيته ورؤيتها الهلال قرب وتدان بينهما أيضا وطلوع الشمس عليه وعليها تدان أيضا.
الإعراب : أليس : «الهمزة» للاستفهام ، «ليس» : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الليل : اسم ليس مرفوع. يجمع : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو. أم : مفعول به منصوب. عمرو : مضاف إليه مجرور. وإيانا : «الواو» : للعطف ، «إيانا» : ضمير نصب منفصل في محل نصب معطوف على أم عمرو ، و «نا» : حرف دال على المتكلم. فذاك : «الفاء» : استئنافية ، «ذا» : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ و «الكاف» : حرف خطاب لا محل له. بنا : جار ومجرور متعلقان بالمصدر (تدان). تداني : خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، و «الياء» : المثبتة لضرورة الشعر. نعم