وبقي الذهب الذي عمله المهدي أمير المؤمنين ، فلم يزل عليه حتى دخلت سنة ست وخمسين ومائتين ، ثم ولي مكة علي بن الحسن عام (١) ، إذ دخل عليه قوم من الحجبة وأنا عنده ، فكلّموه في المقام ، وقالوا : انه قد وهي وتسلّلت أحجاره ، ونحن نخاف عليه ، فإن رأيت أن تجدد عمله وتضبيبه حتى يشتدّ ، فأجابهم إلى ما طلبوا من ذلك ، فأخذ في عمل المقام في المحرم ، فاحضر علي بن الحسن عامة الحجبة ، فقلع الذهب والفضة عن المقام وخلوه عنه ، فإذا الحجر سبع قطع قد كانت ملصقة بعضها إلى بعض ، فزال عنها الإلصاق ، فأخذت القطع فجعلت في ثوب ، وختم عليه بخاتم ، ثم دعا الصاغة إلى دار الإمارة ، وأخذ في عمله ، وحضرته في ذلك نية ، فأمر أن يعمل له طوقان من ذهب طوق للأعلى وطوق للأسفل ، وتحت الطوق الأسفل طوق من فضة يشد الطوق الأعلى وهو قطعتان يدخل المقام في احداهما ، ثم يلصق عليه الأخرى ، ثم يعلا عليها بالطوق الذهب من فوق الفضة ، ثم تضبّب جوانبه بضباب من ذهب ، ثم يسمّر بمسامير ذهب ، وجعل في الطوق كما يدور أربع حلق من فضة يرفع بها المقام.
وزاد فيها علي بن الحسن ما يصلحها من الذهب والفضة من عنده (٢) ، وذلك أنّ الفضة عجزت بهم ، فكان في الطوق الأسفل من الفضة ألف
__________________
ـ خزانتها من ذهب وفضة وطيب ، ثم خرج من مكة إلى جدّة ، ثم رجع إلى مكة فحصرها حتى مات بعض أهلها جوعا وعطشا ، فلقي منه أهل مكة كل بلاء ، ثم رحل من مكة. عند ذلك أخذ جعفر ابن الفضل ، ومحمد بن حاتم ما على المقام من حلي ، وضرباه دنانير ، واستعانا به على قتال اسماعيل العلوي ، لكنه غلب جندهما ، وقتل من الحجّاج عددا كبيرا ، وسلب بقيتهم ، ولم يقف في ذلك العام بعرفة غيره وغير أصحابه ، ثم رجع إلى جدّة فأخذ أموالها. أنظر تاريخ الطبري ١١ / ١٣٦ ـ ١٣٧. والكامل لابن الأثير ٥ / ٣٣٠ ، والعقد الثمين ٣ / ٣١٢ ، واتحاف الورى ٢ / ٣٢٩.
(١) كذا في الأصل ، وقد نقل الفاسي في العقد الثمين ٦ / ١٥١ ، هذه العبارة بالمعنى وأفاد أن ولايته كانت سنة ٢٥٦.
(٢) أنظر العقد الثمين ٦ / ١٥٢.