فأمر أمير المؤمنين بعمل ذلك ، فوجّه اسحاق بن سلمة ، فخرج في صنّاع جاء بهم من العراق من الصواغ والرخّاميين وغيرهم نيف وثلاثين رجلا ، فأخذ في عمل المقام ، فجعل الفضة على كرسي المقام مكان الرصاص الذي كان عليه ، واتخذ له قبة من خشب الساج مقبوة الرأس بضبات قد جعلها لها من حديد ملبسة الداخل بالأدم ، وكانت القبة / قبل ذلك مسطحة ، ودخل في ذلك من الفضة آلاف الدراهم (١).
وقد كان المقام في سنة احدى وستين ومائة وعلى مكة جعفر بن سليمان قد وهي ، فذهب الحجبة يرفعونه فانثلم ، وذلك أنّ المقام حجر رخو يشبه الشنان في المنظر ، وهو أغبش ومكسره مكسر الرخام الأبيض ، فخشوا أن يتفتّت أو يتداعى ، فكتبوا إلى أمير المؤمنين المهدي ، فبعث إليه بألف دينار أو أكثر ، فضببوا بها أعلى المقام وأسفله (٢) ، وهو الذهب الذي كان عليه إلى خلافة أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله ، ثم أمر به أمير المؤمنين جعفر أن يجعل عليه ذهب فوق ذلك الذهب ، ويعمل أحسن من ذلك العمل ، فعمل في مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ، فعمل ، ولم يقلع عنه الذهب الأول (٣) ، فلم يزل ذلك الذهب حتى كان زمن الفتنة في سنة احدى وخمسين ومائتين (٤) ، فأخذ جعفر ابن الفضل ، ومحمد بن حاتم فضرباه دنانير وأنفقاه على حرب اسماعيل فيما ذكروا.
__________________
(١) ذكره ذلك ابن فهد المكي في إتحاف الورى ٢ / ٣١٤ وما بعدها.
(٢) الفاسي في شفا الغرام ١ / ٢٠٢ وابن فهد في إتحاف الورى ٢ / ٢١٢.
(٣) الأزرقي ٢ / ٣٦ ، والمصدران السابقان.
(٤) في هذه السنة خرج اسماعيل بن يوسف بن ابراهيم العلوي ، في مكة ومعه جماعة ، فهرب عامل مكة : جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى العبّاسي ، فنهب اسماعيل منزل جعفر ، ومنازل أصحاب السلطان ، وقتل الجند ، وجماعة من أهل مكة ، وفعل بمكة أفعالا قبيحة ، من القتل والنهب والإحراق ، وبلغ به الأمر أن أخذ المال المعدّ لإصلاح (عين زبيدة) ونهب ما على الكعبة وما في ـ