(والحذف على وجهين : ألّا يقام شىء مقام المحذوف) بل يكتفى بالقرينة (كما مر) فى الأمثلة السابقة (وأن يقام نحو : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ)(١)) فقوله : (فَقَدْ كُذِّبَتْ) ليس جزاء الشرط ؛ لأن تكذيب الرسل متقدم على تكذيبه ؛ بل هو سبب لمضمون الجواب المحذوف وأقيم مقامه (أى : فلا تحزن واصبر).
ثم الحذف لا بد له من دليل ...
______________________________________________________
قال والحذف وجهان فتأمل (قوله : ألّا يقام شىء مقام المحذوف) أى : بألّا يوجد شىء يدل عليه ويستلزمه فى مكانه كعلته المقتضية له (قوله : بل يكتفى) أى : فى فهم المحذوف (قوله : بالقرينة) أى : اللفظية أو الحالية الدالة عليه (قوله : كما مر فى الأمثلة السابقة) أى : لحذف جزء الجملة مثل قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) إذ لم يعطف عليه شىء يدل على المعطوف المحذوف الذى هو : ومن أنفق من بعده ، وكذا" أنا ابن جلا" إذ لم يذكر موصوف ينزل منزلة الموصوف المحذوف.
(قوله : وأن يقام) أى شىء مقام المحذوف مما يدل عليه كالعلة والسبب وليس المراد شيئا أجنبيا لا يدل عليه ولا يقتضيه ؛ لأن هذا لا يقام مقام المحذوف (قوله : متقدم على تكذيبه) أى : والجواب يجب أن يكون مضمونه مترتبا على مضمون الشرط (قوله : بل هو) أى : تكذيب الرسل قبله سبب لمضمون الجواب المحذوف أى : وهو عدم الحزن والصبر وإنما كان سببا له ؛ لأن المكروه إذا عم هان فكأنه قيل فلا تحزن واصبر ؛ لأنه قد كذبت رسل من قبلك وأنت مساو لهم فى الرسالة فلك بهم أسوة (قوله : أقيم مقامه) صفة لسبب أى : أقيم ذلك السبب مقام الجواب لا يقال الجواب لا يحذف إذا كان فعل الشرط مضارعا ، قلنا : محل هذا ما لم يقم مقام الجزاء شىء ، وإلا فلا ضرر فى حذفه كما فى يس نقلا عن الشمنى.
(قوله : ثم الحذف) أى : الذى لم يقم فيه شىء مقام المحذوف فهو راجع للقسم الأول ، فإن قلت : قد قسم النحاة الحذف إلى حذف اقتصار وحذف اختصار ، وفسروا
__________________
(١) فاطر : ٤.