حشو غير مفسد ، وهذا بخلاف ما يقال : أبصرته بعينى ، وسمعته بأذنى وكتبته بيدى فى مقام يفتقر إلى التأكيد.
______________________________________________________
(قوله : حشو) أى : زائد على أصل المراد لا لفائدة ؛ لأن الأمس يدل على القبلية لليوم لدخول القبلية فى مفهوم الأمس ؛ لأنه اليوم الذى قبل يومك وهو متعين للزيادة ، إذ لا يصح عطفه على اليوم كما عطف الأمس بحيث يكون التقدير ، وأعلم علم قبله بالإضافة إلا بالتعسف ، وأيضا المناسب حيث أراد الجمع بين الثلاثة أعنى الغد واليوم وغيرهما أن يذكر الأمس ؛ لأنه هو المستعمل كثيرا فى مقابلة كل من الغد واليوم لا لفظ القبل فيتعين للزيادة فلا يقال هو كالمين بالنسبة للكذب ـ قاله اليعقوبى.
(قوله : غير مفسد) أى : لأنه لا يبطل بوجوده المعنى قال فى الأطول : لك أن تقول اللام فى الأمس للاستغراق أى : كل أمس ووصفه بالقبلية من قبيل وصف الجنس بما يعم كل فرد تعيينا لعمومه وتنصيصا عليه كما ذكر فى قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)(١) وحينئذ فلا يكون قبله حشوا (قوله : وهذا) أى : قبله ، (وقوله : فى مقام) متعلق بيقال (وقوله : يفتقر إلى التأكيد) أى : لدفع توهم أو خوف إنكار أى : وقبله فى البيت لم يكن للتأكيد أى : لدفع توهم أو إنكار (قوله : بخلاف إلخ) أى : فإنه ليس من الحشو ، وهذا جواب عما يقال : إن زيادة قبله فى البيت بمنزلة زيادة الأذن واليد مثلا فى قول القائل سمعته بأذنى وكتبته بيدى ؛ لأن السمع ليس إلا بالأذن والكتب ليس إلا باليد ، فكما لم يجعلوا ذلك وما أشبهه حشوا بل جعلوه تأكيدا كذلك قبله ، وحاصل الجواب أن التأكيد إنما يكون عند خوف الإنكار أو وجوده أو تجويز الغفلة أو نحو ذلك ـ ولا يصح شىء من ذلك هنا ـ فزيادة قبله ليست لقصد التأكيد لعدم اقتضاء المقام له بخلاف زيادة اليد والأذن فى المثال فإنها لقصد التأكيد ، وذلك لأن الإبصار قد يكون بالقلب فدفع بقوله بعينى إرادته ، وقد يطلق السمع على العلم فدفع بقوله : بأذنى إرادته ، وقوله : كتبت قد يستعمل بمعنى أمرت بالكتابة ، فدفع بقوله : بيدى إرادته ، والحاصل أن التأكيد إن اقتضاه المقام كما فى الأمثلة المذكورة كان فائدة لا حشوا وإلا كان حشوا كما فى البيت.
__________________
(١) الأنعام : ٣٨.