وقد دخلت «حتّى» الابتدائية على الجملتين الاسميّة والفعليّة في قوله [من الطويل] :
سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم |
|
وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان |
فيمن رواه برفع «تكلّ» ، والمعنى : حتى كلّت ، ولكنه جاء بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية ، كقولك : «رأيت زيدا أمس وهو راكب» ؛ وأما من نصب فهي «حتّى» الجارّة كما قدمنا ،
______________________________________________________
القول ، (وقد دخلت حتى الابتدائية على الجملتين الاسمية الفعلية في قوله) أي : قول امرىء القيس :
(سريت بهم حتى تكل مطيهم |
|
وحتى الجياد ما يقدن بأرسان (١) |
فيمن رواه برفع تكل والمعنى) سريت بهم (حتى كلت ، ولكنه جاء على حكاية الحال الماضية) ، وليس ذلك بمتعين ؛ لاحتمال أن يكون تكل للحال حقيقة ، بأن يكون أخبر بهذا في حال كلال المطي كما تقول : سرت إلى المدينة حتى أدخلها ، وأنت في حالة الدخول (كقولك : رأيت زيدا أمس وهو راكب) فإن هذا من حكاية الحال الماضية ، ضرورة أن العامل متحقق المضي والحال مقيدة له ، فتكون واقعة في ذلك الزمن الماضي ، ولكنها حكيت ، ولقائل أن يقول : لا نسلم أن هذا من حكاية الحال الماضية ، فإن اسم الفاعل صالح للأزمنة الثلاثة بلفظ واحد ، فمن الجائز أن يكون هذا للمضي ولا حكاية ، نعم لو أعمله فقال : وهو راكب فرسا لتعين أن لا يكون للماضي ، ضرورة أنه لا يعمل إلا إذا كان للحال أو الاستقبال ، فيكون حينئذ للحال والمراد حكاية الماضي مثل : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف : ١٨].
(وأما من نصب) تكل (فهي حتى الجارة كما قدمنا) أنها إذا دخلت على مضارع منصوب ، فنصبه بأن مضمرة وحتى حينئذ جارة لذلك المصدر المسبوك من صلتها ، وعلى هذا التخريج يخرج البيت عن أن يكون شاهدا على ما أوردوه من دخول حتى الابتدائية على الجملتين إذا فرضنا أن الداخلة على المضارع المنصوب جارة ، لا ابتدائية وليس ثم جملة واقعة بعدها ، وإنما هو اسم مفرد مجرور فلم يبق البيت مثالا حينئذ إلا لدخول الابتدائية على الجملة الاسمية ، وهو ما وقع في عجز البيت ، فإن قلت : لكن يشكل حينئذ عطف الجملة المقرونة بالواو ؛ إذ لا يصح عطفها على متعلق سريت إذ هو مفرد ، ولا على سريت لبقاء حتى الابتدائية حينئذ بدون معنى لها قلت : يقدر المعطوف محذوفا وحتى غاية لذلك المحذوف ، أي : وسريت بهم حتى الجياد ما
__________________
(١) تقدم تخريجه.