وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبّهت عليها وأصلحتها.
فدونك كتابا تشدّ الرّحال فيما دونه ، وتقف عنده فحول الرجال ولا يعدونه ، إذ كان الوضع في هذا الغرض لم تسمح قريحة بمثاله ، ولم ينسج ناسج على منواله.
______________________________________________________
(وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها) والأغلاط : جمع غلط وهو ما يقع على سبيل الذهول.
والتنبيه على الشيء هو التوقيف عليه ، والإصلاح إخراج الشيء من حيز الفساد إلى حيز الصلاح وفي هذه السجعة مع السابقتين عليها لزوم ما لا يلزم ، وهو الإتيان بالحاء قبل التاء.
(فدونك كتابا تشد الرحال فيما دونه ، وتقف عنده فحول الرجال ، ولا يعدونه) الفاء فصيحة ، وثم شرط مقدر ، أي : إذا كان الأمر كذلك ، ودونك اسم فعل بمعنى خذ ، ومفعوله محذوف ، أي : فدونكه ، أي : هذا التصنيف ، وكتابا حال موطئة ، ويحتمل أن يكون كتابا هو المفعول فلا حذف ، وفيه حينئذ إقامة الظاهر مقام المضمر لقصد التعظيم وتقوية داعي الأمور ، وكان القياس على هذا أن يحليه باللام العهدية ، لكن نكره تفخيما لشأنه.
والرحال : جمع رحل يطلق على ما يستصحبه الإنسان من الأثاث في سفره ، وعلى رحل البعير وهو أصغر من القتب ، وكلا المعنيين متأت هنا ، وهو كناية عن التعظيم ، وفي من قوله فيما دونه سببية مثل : «دخلت النار امرأة في هرة» (١) أي تشد الرحال بسبب ما دونه ، «وما» إما موصولة أو موصوفة ، ودونه متعلق بمحذوف صلة ، أو صفة ، وفحول الرجال أعلاهم همة ، وأعظمهم شأنا جمع فحل ، وكأنه استعاره من فحل الإبل وهو ذكرها إذا كان كريما ومنجبا في ضرابه ويعنونه بفتح حرف المضارعة ، أي يجاوزونه من قولك عداه يعدوه إذا جاوزه ، وتقدم عنه.
(إذ كان الوضع في هذا الغرض) لم تسمح قريحة بمثاله.
(ولم ينسج ناسج على منواله) ، إذ تعليلية ومتعلقها إما مذكور ، وهو اسم الفعل ، أو تشد أو تقف على سبيل التنازع ، أو محذوف ، أي : وقع ذلك المتقدم ذكره من شد الرحال ووقوف الفحول دونه ، والغرض هو الفائدة المترتبة على الشيء من حيث هي مطلوبة بالإقدام عليه ،
__________________
(١) جزء من حديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم (٣٣١٨). ولفظه : «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعهما ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض». وأخرجه مسلم في السّلام ، باب تحريم قتل الهرة (٢٢٤٢).