وقيل : التقدير مخافة أن تبرّوا ؛ وقيل في (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) [التوبة : ١٣] : إن «أحقّ» خبر عمّا بعده ، والجملة خبر عن اسم الله سبحانه ، وفي (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] كذلك ، والظاهر فيهما أن الأصل أحقّ بكذا. والثاني : بعد لفظ دالّ على معنى غير اليقين ،
______________________________________________________
(والثاني) من موضعي وقوعها أن تقع (بعد لفظ دال على معنى غير اليقين) سواء كان دالا على ظن أو غيره ، وكأنه قصد بذلك مع ما تقدم ضبط ما تتميز به الناصبة من المخففة وفيه نظر ، فقد قال الإمام المرزوقي في قول الحماسي :
هممت بأن لا أطعم الدهر بعدهم |
|
حياة وكان الصبر أبقى وأكرما (١) |
أطعم منصوب بأن ولو رفع لجاز على أن تكون مخففة من الثقيلة ، ويكون اسمها مضمرا فدل ذلك على أن المخففة تشارك الخفيفة في وقوعها بعد فعل دال على معنى غير اليقين ، وهذا ينافي غرض المصنف ، وقد يجاب بأن الهم يرد بمعنى العزم على الشيء وهو الجد فيه ، وبمعنى حديث النفس كما صرح بعض أئمة اللغة ، فيكون يقينيا بالاعتبار الأول وغير يقيني بالاعتبار الثاني ، فلعل المرزوقي أجاز كونها مخففة نظرا إلى كون الفعل يقينيا ، وأجاز كونها ناصبة نظرا إلى كون الفعل غير يقيني ، فاندفع النظر.
وقد ذكر ابن الحاجب في «شرح المفصل» ضابطا يعلم به موضع تعين الناصبة وتعين المخففة وموضع جواز الأمرين ، سواء كنت منشئا للكلام أو سامعا فقال : لفظ إن إما أن تذكر بفعل قبلها مسلط عليها أولا ، فإن كان بفعل مسلط عليها فلا يخلو إما أن يكون فعل تحقيق أو ظن أو غيرهما ، فالأول يتعين للمشددة والمخففة منها ، والثالث يتعين للناصبة ، والثاني يجوز فيه الأمران.
وإن لم يكن قبلها فعل مسلط عليها فلا يخلو إما إن يكون مصدرا بها الجملة أولا ، فإن صدرت بها الجملة تعينت الناصبة للفعل مثل قوله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤].
وإن لم تصدر بها جازتا كقولك : حسن أن يقوم وحسن أن تقوم ، على أن أصله أنك تقوم ، وقد ظهر لك بهذا الكلام مؤاخذة على المصنف إن كان مقصوده بذكر ذينك الموضعين تمييز ما يتعين فيه أن الناصبة من المخففة ، وهو الظاهر من سياق كلامه فتأمله ، وقد يقال أراد بالابتداء ما هو أعم من التحقيقي والتقديري فلا تتم المؤاخذة ، وإذا وقعت الناصبة بعد فعل غير
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، انظر : ديوان الحماسة ١ / ٤٢٤.