وكونه مقصودا للمخبر بخبره لا يستلزم تحققه فى الواقع ؛ ...
______________________________________________________
والانتزاع ، هذا إنما يظهر على القول بأن مدلول الخبر النسبة لا الإذعان بها ، وهذا خلاف ما عليه الأكثر ، إذ الذى عليه الأكثر كالإمام الرازى وابن السبكى (١) والعلامة السيد وغيرهم : أن مدلول الخبر إذعان النسبة أعنى : الإيقاع والانتزاع ، قلت : أجاب العلامة عبد الحكيم : بأن الإيقاع والانتزاع وإن كان مدلولا للخبر على قول الأكثر إلا أنه ليس مقصودا بالإفادة ، بل وسيلة لما قصد إفادته بالخبر وهو وقوع النسبة أو لا وقوعها ؛ وذلك لأن المخاطب يستفيد الإيقاع والانتزاع من الخبر ، ثم ينتقل منه إلى متعلقه الذى هو المقصود بالإعلام وهو وقوع النسبة أو لا وقوعها ، ويدل لذلك ما هو الحق عندهم من أن الألفاظ لا دلالة لها فى نفسها على ما فى الخارج ، بل دلالتها على الصور الذهنية أولا ، وبالذات وبواسطتها على ما فى الخارج لما بينهما من الارتباط ، فظهر لك أن كون الخبر مدلوله الإيقاع والانتزاع لا ينافى أن المقصود بالإعلام إفادة وقوع النسبة أو لا وقوعها فتأمل ذلك.
(قوله : وكونه) أى : الحكم بمعنى وقوع النسبة أو لا وقوعها مقصود للمخبر بخبره إلخ) وهذا توطئة لقوله : وهذا مراد إلخ (قوله : لا يستلزم) أى : ذلك الكون تحققه أو ثبوته فى الواقع وضمير تحققه للحكم بمعنى النسبة ، وحاصله أن قصد المخبر بخبره إفادة وقوع النسبة أى : كون النسبة واقعة لا يستلزم تحقيقها فى الواقع ؛ لأن دلالة الألفاظ على معانيها وضعية يجوز تخلفها وليست عقلية تقتضى استلزام الدليل للمدلول استلزاما عقليا : كدلالة الأثر على المؤثر ، فإذا قلت : زيد قائم دل على ثبوت القيام لزيد فى الواقع ، ودلالته على ذلك لا تستلزم أن يكون ثبوت القيام متحققا فى الواقع لجواز أن يكون الخبر كذبا (قوله : وهذا) أى : كونه لا يستلزم تحققه فى الواقع.
__________________
(١) هو أبو حامد أحمد بن على بن عبد الكافى بهاء الدين السبكى ، فاضل ، له" عروس الأفراح شرح تلخيص المفتاح" ولى قضاء العسكر وقبله قضاء الشام وكثرت رحلاته ومات مجاورا بمكة سنة ٧٦٣ ه. (وانظر الأعلام للزركلى ١ / ١٧٦).