الحاصلة فى الذهن لا بد أن تكون بين الشيئين ، ومع قطع النظر عن الذهن لا بد وأن يكون بين هذين الشيئين فى الواقع ...
______________________________________________________
على وجه طلبه منه ، وحاصل ما أفاده هذا التعليل : أن هناك نسبة مفهومة من الكلام حاصلة فى الذهن بقطع النظر عن الخارج ، ونسبة فى الخارج بقطع النظر عن الذهن.
(قوله : الحاصلة فى الذهن) أشار به إلى أن النسبة الكلامية والذهنية متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار ، فمن حيث دلالة الكلام عليها يقال لها : نسبة كلامية ، ومن حيث إدراكها فى الذهن وتصورها فيه يقال لها : ذهنية ، وقوله الحاصلة فى الذهن يشمل الكواذب عمدا ؛ لأن الذهن يتصور النسبة الكاذبة ولو كانت مستحيلة.
(قوله : لا بد أن تكون بين الشيئين) هما الموضوع والمحمول ، أى : لأنها من المعانى الجزئية فلا تتعقل إلا بتعقل هذين الشيئين ، وقوله لا بد : خبر أن (قوله : ومع قطع النظر عن الذهن لا بد إلخ) لا بد عطف على لا بد السابقة وفى الكلام تقديم وتأخير ، والأصل ولا بد من قطع النظر عن الذهن أن يكون إلخ ، والواو وفى قوله وأن يكون : زائدة فى متعلق اسم لا ، والأصل لا بد أن يكون أى : لا بد من أن يكون ، أى : لا غنى عن أن يكون ، فالواو هنا ك (هى) فى قول الشاعر (١) :
فما بال من أسعى لأجبر كسره |
|
حفاظا وينوى من سفاهته كسري |
فإن الواو فى قوله وينوى : زائدة دخولها فى الكلام كخروجها ، وخبر لا محذوف أى : حاصل ، ومصب التعليل قوله : ولا بد أن يكون بين هذين الشيئين إلخ ، بقى شىء آخر وهو أن فى كلام الشارح أمورا منها : أن كون النسبة المفهومة من الكلام لا بد أن تكون بين شيئين ، هذا أمر معلوم لا يتوهم إنكاره فلا فائدة فى الإخبار به ، فالأولى أن يقول : لأن النسبة المفهومة من الكلام حاصلة فى الذهن قطعا ، ومع قطع النظر عن الذهن
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لعامر بن مجنون فى حماسة البحترى ص ٧٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٧٨١ ، ومجالس ثعلب ١ / ١٧٣ ؛ ولكنانة بن عبد الثقفى أو للحارث بن وعلة فى الحماسة الشجرية ١ / ٢٦٤ ؛ وللأجرد فى الشعر والشعراء ٢ / ٧٣٨ ؛ وبلا نسبة فى مغنى اللبيب ٢ / ٣٦٢ ويروى :
وما بال من أسعى لأجبر عظمه |
|
... |