وتحقيق ذلك أن الكلام إما أن تكون نسبته بحيث تحصل من اللفظ ويكون اللفظ موجدا لها ...
______________________________________________________
بقى شىء آخر وهو أن المراد بقصد مطابقة النسبة الكلامية للخارجية أن يقصد المتكلم بالكلام حكاية معنى حاصل فى الخارج بدونه ، ومؤدى الحكاية هو مؤدى المطابقة ، فقولنا : زيد قائم. قصدنا به حكاية ثبوت القيام لزيد فى الواقع ، بمعنى أن فى الواقع شيئا هو قيام زيد حكيته بقولك : زيد قائم ، بخلاف : اضرب ونحوه من صيغ الإنشاء ، فإنه لم يقصد به حكاية شىء ، بل المقصود بإحداث مدلوله وهو طلب الضرب وإيجاده بذلك اللفظ بحيث لا يحصل ذلك المعنى بدون اللفظ ، فإن قصدت بصيغة الإنشاء المطابقة أى : حكاية ما فى الواقع وهو النسبة الخارجية وهو الطلب القائم بالنفس مثلا كان خبرا مجازا ، وصار معنى : اضرب : أنا طالب للضرب ، والحاصل أن النسبة التى لها خارج هى التى تكون حاكية عن نسبة أى حالة بين الطرفين فى نفس الأمر ونسب الإنشاء ليست حاكية ، بل محضرة ليترتب عليها وجود أو عدم أو معرفة أو تحسر أو نحو ذلك ، وحينئذ فالنسب الإنشائية لا خارج لها ، ولهذا اختار أرباب حواشى المطول كالفنارى والقرمى وعبد الحكيم رجوع النفى فى كلام المصنف للقيدين كما هو المتبادر منه ، وأن النسبة لا محالة موجودة فى الإنشاء دون الخارج ودون قيده ، واستدلوا على أنه لو كان له خارج لزم أن يتصور فيه الصدق والكذب ؛ لأنهما من لوازم الخارجية ، واللازم باطل فكذلك الملزوم.
(قوله : وتحقيق ذلك) أى : الفرق بين الإنشاء والخبر ، وقوله أن الكلام : يعنى مطلقا ، وحاصله أن للإنشاء أيضا نسبة خارجية تطابقه أو لا تطابقه ، والفرق بينه وبين الخبر قصد المطابقة واللامطابقة فى الخبر وعدم قصد ذلك فى الإنشاء ، وفى قوله وتحقيق إلخ : إشارة إلى أن ما يقتضيه ظاهر المتن من أن الفرق بينهما أن الخبر له خارج ، والإنشاء لا خارج له ، كلام ظاهرى خلاف التحقيق ، وقد علمت ما فى ذلك التحقيق وأن الحق خلافه (قوله : بحيث تحصل) الباء للملابسة أى : ملتبسة بحالة ، وهى أن تحصل من اللفظ أى : تفهم منه ، فالعطف مغاير أو توجد ، فالعطف تفسيرى ، ومعنى إيجاد اللفظ