ورعاية الاعتبارات ، ...
______________________________________________________
العدد ، كما إذا كان لشخص أحوال عشرة ، ولآخر أحوال تسعة ، ولآخر أحوال ثمانية.
وهكذا ، وكل حال يقتضى خصوصية فالإتيان للأول بعشر خصوصيات طرف أعلى ، والإتيان للأخير بخصوصية طرف أسفل ، وما بينهما مراتب متوسطة متفاوتة بحسب تفاوت الأحوال فى الكم ، وكذا يتناول التفاوت بحسب الكيف والمقدار ، كما إذا كان لشخص إنكار شديد القوة ، ولآخر إنكار قوى غير شديد القوة ، ولآخر إنكار ضعيف ، فالمقامات متفاوتة بحسب الكيف فقط ، فالإتيان للأول بثلاث مؤكدات طرف أعلى ، وللأخير بمؤكد طرف أسفل ، وللثانى بمؤكدين مرتبة وسطى فقد صدق أن مراتب البلاغة متفاوتة بحسب تفاوت المقامات فى الكيف.
(قوله : ورعاية الاعتبارات) أى : قصد الخصوصيات المعتبرات ، فرعاية خصوصيتين أعلى من رعاية خصوصية ، ورعاية ثلاث أعلى من رعاية اثنتين لمقام واحد ، وفيه إشكال ؛ لأنه إذا اعتبرت خصوصية واحدة مثلا ، فإن كان رعاية الأكثر يقتضيه الحال ، فالبلاغة لا توجد بدونه ، وإن كان لا يقتضيه الحال ، فالبلاغة لا تتوقف عليه ولا تحصل باعتباره ، فمراعاته لا تقتضى زيادة البلاغة ؛ لأنها مطابقة الكلام لجميع مقتضى الحال ، وهذا ليس مقتضى حال ، فكيف تتفاوت البلاغة بحسب رعاية الاعتبارات؟ وأجاب السيد عيسى الصفوى (١) : بأن هذا الإيراد مبنى على أن البلاغة مطابقة الكلام لجميع ما يقتضيه الحال وهو ممنوع ، بل هى مطابقة الكلام لمقتضى الحال فى الجملة ، فإذا اقتضى الحال شيئين ، فروعى أحدهما دون الآخر كان الكلام بليغا من هذا الوجه ، وإن لم يكن بليغا مطلقا ، وحينئذ فإذا اقتضى الحال شيئين تحققت البلاغة بمراعاة أحدهما فقط ، لكن مراعاتهما أزيد بلاغة وأعلى. قاله يس ، لكن قد تقدم لنا عن عبد الحكيم : أن الحق أن البلاغة مطابقة الكلام لجميع ما يقتضيه الحال ، لكن بقدر الطاقة ،
__________________
(١) هو عيسى بن محمد بن عبيد الله أبو الخير ـ قطب الدين الحسنى الحسينى الإيجى ـ المعروف بالصفوى من مصنفاته" شرح الكافية لابن الحاجب" و" شرح الحديث الأول من الجامع الصحيح للبخارى" وغيرها ـ قال ابن العماد : كان من أعاجيب الزمان. توفى سنة ٩٥٣ ه وانظر الأعلام (٥ / ١٠٨).