وفي الاية دلالة :
على أن العلوم ، كلها ، من جهته تعالى. والأمر ، كذلك. لأنها ، اما ضرورية ، فعلها الله ، أو نظرية ، أقام الأدلة عليها. فالعلم كله ، من عند الله.
وعلى شرف الإنسان ، من حيث أنه انسان.
وعلى مزيّة العلم ، على العبادة.
وعلى أنه شرط في الخلافة.
وأنه لا يكون الأسفل ، خليفة للأفضل. وأن له شرف التقدم. وقد قال : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١).
قال بعض الفضلاء : وتأويل الاية في بعض بطونها ، أن الله سبحانه «علم آدم» ، أي : الأناسي الكاملين «أسماءه كلها» ، سواء كانت إلهية ، أو كونية. فان الحقيقة الانسانية الكمالية أحدية ، جمع (٢) الحقائق المظهرية الكمالية. والأسماء الالهية الظاهرة فيها وبها. فان الكل ، اسماء وتعينات وجوده. وتعليمهم إياه ، عبارة عن جعلهم عارفين بما ، في أنفسهم.
«ثم عرضهم» ، أي : أوردهم في معرض المعارضة ، للملائكة. فقال لهم ، أي : للملائكة : «أنبئوني» من حيث ظهوري فيهم. فان انبائي من هذه الحيثية ، انباؤهم بأسماء هؤلاء الأناسي الكاملين ، أي : بأسمائي المودعة فيهم ، إلهية كانت أو كونية. وإنباءكم عنها ، لا يتصور الا بتحققكم بها والظهور بأحكامها.
قالوا : سبحانك لا علم لنا بتلك الأسماء ، الا بما علمتنا بايداعه فينا.
وجعلنا عارفين به. وذلك لا يستوعب جميع تلك الأسماء. فكيف ننبئهم بها؟ (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بما فينا وفيهم ، «الحكيم» المجري علينا أحكامنا ، على ما يقتضيه
__________________
(١) الزمر / ٩.
(٢) ر : جميع.