عاد إلى صحة مزاجه وسلامة طباعه جحده فلم يعترف به ، ونفاه فلم ينسب إليه ، وما أضيف هذا وأمثاله إلا إلى عوز الكمال في الخلقة ، وعموم النقص لهذه الفطرة.
وأما قول أبي الطيب :
قبيل أنت أنت وأنت منهم |
|
وجدّك بشر الملك الهمام (١) |
فقبيح للتكرار وقد زاده قبحا وقوعه بغير فصل.
والحروف التي تربط بعض الكلام ببعض وتدل على معنى في غيرها ـ كما يقول النحويون ـ يقبح تكررها في الكلام وإن اختلفت ألفاظها ، وذلك لأنها جنس واحد ومشتركة في المعنى ، وإن تميزت فائدة بعضها من بعض ، ومما يسهل الأمر فيها قليلا وقوع الفصل بينهما بكلمة من غيرها ، فإما أن ترد على نحو ما قال أبو الطيب :
وتسعدني في غمرة بعد غمرة |
|
سبوح لها منها عليها شواهد (٢) |
فذلك العيب الذي لا يتوجه عذر فيه.
وقد أنكر أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب ما ذكرناه من قبح تكرر حروف الرباطات ، وقال في كتابه ـ في الخراج وصناعة الكتابة : فأما : له منه ، أو منه عليه ، أو به له ، أو ما جرى هذا المجرى ففيه قبح ، وسبيل ذلك إذا وقع أن يحتال في فصل ما بين الحرفين بكلمة ، مثل أن يأتي ما يحتاج الى أن يقال فيه : أقمت شهيدا به عليه ، فيقال : أقمت عليه شهيدا به ، ثم قال بعد أوراق يسيرة : وبلغني أنّ المأمون أمر عمرو بن مسعدة يوما أن يكتب لرجل له به عناية ، فأنسي أبو الفرج ما قدّمه ، وسها عمّا أنكره ، وقد كان يمكنه أن يعبر عما قاله أولا ، فيقول : لرجل له عناية به ، ويجب أن يجعل هذا الزلل عذرنا فيما لعلنا نأتي به في هذا الكتاب من لفظة قد أنكرناها وأمرنا بتجنبها ، فإن الإنسان عم عن عيبه ، ولنا بمن ذكرناه أسوة.
__________________
(١) «ديوان المتنبي» (١ / ١٤٨).
(٢) الغمرة : الشدة ، والسبوح : الفرس السريعة. انظر «ديوان المتنبي» (٢ / ٧٠).