فلا خفاء بقبحه التكرار ، وكذلك قوله :
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله |
|
ويجهل علمي أنه بي جاهل (١) |
لأنه ذكر الجهل خمس مرات ، وكرر ـ بي ـ فلم يبق من ألفاظ البيت ما لم يعده إلا اليسير ، وأما قوله أيضا :
فقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشا |
|
قلاقل عيس كلهن قلاقل (٢) |
غثاثة عيشي أن تغثّ كرامتي |
|
وليس بغثّ أن تغثّ المآكل |
فقد اتفق له أن كرر في البيت الأول لفظة مكررة الحروف ، فجمع القبح بأسره في صيغة اللفظة نفسها ، ثم في إعادتها وتكرارها ، وأتبع ذلك بغثاثة في البيت الثاني ، وتكرار ـ تغث ـ فلست تجد ما تزيد على هذين البيتين في القبح.
ولم يزل الناس على وجه الدهر منكرين قول امرىء القيس بن حجر :
ألا إنني بال على جمل بال |
|
يقود بنا بال ويتعبنا بال (٣) |
وهو لعمري قبيح ، وإن كان بيت هذا الفن الذي لا غاية وراءه في القبح قول مسلم ابن الوليد الأنصاري :
سلّت وسلّت ثم سلّ سليلها |
|
فأتى سليل سليلها مسلولا (٤) |
ولو لا أن هذا البيت مروي لمسلم وموجود في ديوانه لكنت أقطع على أن قائله أبعد الناس ذهنا ، وأقلهم فهما ، وممن لا يعد في عقلاء العامة فضلا عن عقلاء الخاصة ، لكني إخال خطرة من الوسواس أو شعبة من البرسام عرضت له وقت نظم هذا البيت ، فليته لما
__________________
(١) «ديوان المتنبي» ص (١ / ٧٧).
(٢) قلقلت : حركت ، وقلاقل العيس : النوق الخفيفة ، وقلاقل الثانية : جمع قلقلة بمعنى الحركة.
(٣) «ديوان امرؤ القيس» ص ١٢٦.
(٤) يشير الشاعر في بيته هذا إلى الخمر.