إن سنّ بالهجران شفرته |
|
ليقدّ قلبي قدّ مجتهد |
فلأصبرنّ كصبر تجتجة |
|
متمسكا بمحلّل العقد |
وهذا إنما يسوغ على هذا السبيل من الهزل والخلاعة ، فأما في باب الجد فليس يحسن أن يستعمل في كل موضع منه إلا الألفاظ اللائقة به ، وشعر أبي عبد الله بن الحجاج وإن تضمن كثيرا من الألفاظ التي لا تحسن في مواضع الجد ، فإنه قد جاء بها الموضع اللائق بها ، ولأجل هذا حسنت ولم تقبح ، ألا ترى أن قول ابن نباتة :
وقال لنا الزمان ظلمتموهم |
|
فقلنا للزمان دع الفضولا (١) |
ليس بمختار على طريقته في الجدّ وفنه ، ولو ورد في شعر أبي عبد الله بن الحجاج كان مرضيا مختارا.
تناسب الألفاظ :
ومن شروط الفصاحة المناسبة بين اللفظين ، وهي على ضربين :
مناسبة بين اللفظين من طريق الصيغة ، ومناسبة بينهما من طريق المعنى ؛ فأما المناسبة من طريق المعنى فسنذكرها في المعاني إذا وصلنا إليها من هذا الكتاب بعون الله ومشيئته ، وأما المناسبة بينهما من طريق الصيغة فلها تأثير في الفصاحة ؛ ومثال ذلك ما رواه أبو الفتح عثمان بن جني ، قال : قرأت على أبي الطيب قوله :
وقد صارت الأجفان قرحا من البكا |
|
وصار بهارا في الخدود الشقائق (٢) |
فقلت : قرحى ، فقال : إنما قلت : قرحا ؛ لأنّي قلت : بهارا.
فهذه المناسبة التي تؤثر في الفصاحة ، والشعراء الحذاق والكتاب يعتمدونها ،
__________________
(١) «ديوان نصر بن نباتة» (١ / ٢٥٢).
(٢) البهار : زهر اصفر ، ومفردها بهارة ، وانظر «ديوانه» (١ / ١٢٠).