وكتب بعضهم : (إذا كنت لا تؤتى من نقص كرم ، وكنت لا أوتى من ضعف سبب ، فكيف أخاف منك خيبة أمل ، أو عدولا عن اغتفار زلل ، أو فتورا عن لمّ شعث وإصلاح خلل) فناسب بين : نقص وضعف ، وكرم وسبب ، وعدول وفتور ، بالصيغ ، وإلّا فقد كان يمكنه أن يقول : مكان نقص قلة ، فلا يكون مناسبا لضعف ، ومكان كرم جودا فلا يكون مناسبا لسبب ، ومكان سبب شكرا فلا يكون مناسبا لكرم ، ومكان فتور تقصيرا فلا يكون مناسبا لعدول.
ومن هذا النحو أيضا قول أبي تمام :
مها الوحش إلا أنّ هاتا أوانس |
|
قنا الخطّ إلا أنّ تلك ذوابل (١) |
فناسب بين : مها وقنا ، والوحش والخطّ.
وكذلك قول أبي عبادة :
فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا |
|
وأقدم لما لم يجد عنك مهربا (٢) |
فناسب بين : أحجم وأقدم ، ومطمعا ومهربا ، وعنك فيك ، وأمثلة هذا أكثر من أن تحصى.
ومن المناسبة بين الألفاظ في الصيغ السجع والازدواج ، ويحدّ السجع بأنه تماثل الحروف في مقاطع الفصول ، وبعض الناس يذهب إلى كراهة السجع والازدواج في الكلام ، وبعضهم يستحسنه ويقصده كثيرا ، وحجة من يكرهه أنه ربما وقع بتكلف وتعمّل واستكراه ، فأذهب طلاوة الكلام وأزال ماءه ، وحجة من يختاره أنه مناسبة بين الألفاظ يحسنها ، ويظهر آثار الصنعة فيها ، ولو لا ذلك لم يرد في كلام الله تعالى ، وكلام النبي صلىاللهعليهوسلم ، والفصيح من كلام العرب ، وكما أن الشعر يحسن بتساوي قوافيه كذلك النثر يحسن
__________________
(١) «ديوان أبي تمام» ٣ / ١١٦.
(٢) هو من قصيدة له مدح الفتح بن خاقان في وصف مبارزته للأسد.